فصل: الخطبة الثّانية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


حجّ

التّعريف

1 - الحجّ‏:‏ بفتح الحاء ويجوز كسرها، هو لغة القصد، حجّ إلينا فلان‏:‏ أي قدم، وحجّه يحجّه حجّا‏:‏ قصده‏.‏ ورجل محجوج، أي مقصود‏.‏ هذا هو المشهور‏.‏ وقال جماعة من أهل اللّغة‏:‏ الحجّ‏:‏ القصد لمعظّم‏.‏ والحجّ بالكسر‏:‏ الاسم‏.‏ والحجّة‏:‏ المرّة الواحدة، وهو من الشّواذّ، لأنّ القياس بالفتح‏.‏ تعريف الحجّ اصطلاحا‏:‏

2 - الحجّ في اصطلاح الشّرع‏:‏ هو قصد موضع مخصوص ‏(‏وهو البيت الحرام وعرفة‏)‏ في وقت مخصوص ‏(‏وهو أشهر الحجّ‏)‏ للقيام بأعمال مخصوصة وهي الوقوف بعرفة، والطّواف، والسّعي عند جمهور العلماء، بشرائط مخصوصة يأتي بيانها‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

العمرة‏:‏

3 - وهي قصد البيت الحرام للطّواف والسّعي وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏عمرة‏)‏‏.‏

الحكم التّكليفيّ للحجّ

4 - الحجّ فرض عين على كلّ مكلّف مستطيع في العمر مرّة، وهو ركن من أركان الإسلام، ثبتت فرضيّته بالكتاب والسّنّة والإجماع‏.‏

أ - أمّا الكتاب‏:‏ فقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين‏}‏‏.‏ فهذه الآية نصّ في إثبات الفرضيّة، حيث عبّر القرآن بصيغة ‏{‏وللّه على النّاس‏}‏ وهي صيغة إلزام وإيجاب، وذلك دليل الفرضيّة، بل إنّنا نجد القرآن يؤكّد تلك الفرضيّة تأكيدا قويّا في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين‏}‏ فإنّه جعل مقابل الفرض الكفر، فأشعر بهذا السّياق أنّ ترك الحجّ ليس من شأن المسلم، وإنّما هو شأن غير المسلم‏.‏

ب - وأمّا السّنّة فمنها حديث ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏بني الإسلام على خمس‏:‏ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصيام رمضان، والحجّ‏}‏‏.‏ وقد عبّر بقوله‏:‏ ‏{‏بني الإسلام‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ فدلّ على أنّ الحجّ ركن من أركان الإسلام‏.‏ وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏{‏خطبنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أيّها النّاس قد فرض اللّه عليكم الحجّ فحجّوا فقال رجل‏:‏ أكلّ عام يا رسول اللّه ‏؟‏ فسكت حتّى قالها ثلاثا، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏‏.‏ وقد وردت الأحاديث في ذلك كثيرة جدّا حتّى بلغت مبلع التّواتر الّذي يفيد اليقين والعلم القطعيّ اليقينيّ الجازم بثبوت هذه الفريضة‏.‏

ج - وأمّا الإجماع‏:‏ فقد أجمعت الأمّة على وجوب الحجّ في العمر مرّة على المستطيع، وهو من الأمور المعلومة من الدّين بالضّرورة يكفر جاحده‏.‏

وجوب الحجّ على الفور أو التّراخي

5 - اختلفوا في وجوب الحجّ عند تحقّق الشّروط هل هو على الفور أو على التّراخي ‏؟‏‏.‏ ذهب أبو حنيفة في أصحّ الرّوايتين عنه وأبو يوسف ومالك في الرّاجح عنه وأحمد إلى أنّه يجب على الفور، فمن تحقّق فرض الحجّ عليه في عام فأخّره يكون آثما، وإذا أدّاه بعد ذلك كان أداء لا قضاء، وارتفع الإثم‏.‏ وذهب الشّافعيّ والإمام محمّد بن الحسن إلى أنّه يجب على التّراخي، فلا يأثم المستطيع بتأخيره‏.‏ والتّأخير إنّما يجوز بشرط العزم على الفعل في المستقبل، فلو خشي العجز أو خشي هلاك ماله حرم التّأخير، أمّا التّعجيل بالحجّ لمن وجب عليه فهو سنّة عند الشّافعيّ ما لم يمت، فإذا مات تبيّن أنّه كان عاصيا من آخر سنوات الاستطاعة‏.‏ استدلّ الجمهور على الوجوب الفوريّ بالآتي‏:‏

أ - الحديث‏:‏ ‏{‏من ملك زادا‏.‏ وراحلة تبلّغه إلى بيت اللّه، ولم يحجّ فلا عليه أن يموت يهوديّا أو نصرانيّا‏}‏‏.‏

ب - المعقول‏:‏ وذلك أنّ الاحتياط في أداء الفرائض واجب، ولو أخّر الحجّ عن السّنة الأولى فقد يمتدّ به العمر وقد يموت فيفوت الفرض، وتفويت الفرض حرام، فيجب الحجّ على الفور احتياطا‏.‏ واستدلّ الشّافعيّة ومن معهم بما يلي‏:‏

أ - أنّ الأمر بالحجّ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه على النّاس حجّ البيت‏}‏ مطلق عن تعيين الوقت، فيصحّ أداؤه في أيّ وقت، فلا يثبت الإلزام بالفور، لأنّ هذا تقييد للنّصّ، ولا يجوز تقييده إلاّ بدليل، ولا دليل على ذلك‏.‏ وهذا بناء على الخلاف أنّ الأمر على الفور أو للتّراخي ‏(‏انظر مصطلح‏:‏ أمر‏)‏‏.‏

ب - ‏(‏أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فتح مكّة عام ثمان من الهجرة، ولم يحجّ إلاّ في السّنة العاشرة ولو كان واجبا على الفوريّة لم يتخلّف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن فرض عليه‏)‏‏.‏

فضل الحجّ

6 - تضافرت النّصوص الشّرعيّة الكثيرة على الإشادة بفضل الحجّ، وعظمة ثوابه وجزيل أجره العظيم عند اللّه تعالى‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وأذّن في النّاس بالحجّ يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم اللّه في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏‏.‏ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏من حجّ للّه فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمّه‏}‏‏.‏ وعن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏ما من يوم أكثر أن يعتق اللّه فيه عبدا من النّار من يوم عرفة، وإنّه ليدنو ثمّ يباهي بهم الملائكة‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ ومعنى يدنو‏:‏ يتجلّى عليهم برحمته وإكرامه‏.‏ وعن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏تابعوا بين الحجّ والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذّهب والفضّة، وليس للحجّة المبرورة ثواب إلاّ الجنّة‏}‏‏.‏ وعن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏الحجّاج والعمّار وفد اللّه، إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم‏}‏‏.‏ ‏{‏وعن عائشة رضي الله عنها، قلت يا رسول اللّه‏:‏ نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد ‏؟‏ قال‏:‏ لا، لكنّ أفضل الجهاد حجّ مبرور‏}‏‏.‏ وعن أبي هريرة ‏{‏رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سئل‏:‏ أيّ الأعمال أفضل ‏؟‏ فقال‏:‏ إيمان باللّه ورسوله، قيل ثمّ ماذا ‏؟‏ قال‏:‏ جهاد في سبيل اللّه، قيل‏:‏ ثمّ ماذا ‏؟‏ قال‏:‏ حجّ مبرور‏}‏‏.‏

حكمة مشروعيّة الحجّ

7 - شرعت العبادات لإظهار عبوديّة العبد لربّه ومدى امتثاله لأمره، ولكن من رحمة اللّه تعالى أنّ أكثر هذه العبادات لها فوائد تدركها العقول الصّحيحة وأظهر ما يكون ذلك في فريضة الحجّ‏.‏ وتشتمل هذه الفريضة على حكم جليلة كثيرة تمتدّ في ثنايا حياة المؤمن الرّوحيّة، ومصالح المسلمين جميعهم في الدّين والدّنيا، منها‏:‏

أ - أنّ في الحجّ إظهار التّذلّل للّه تعالى، وذلك لأنّ الحاجّ يرفض أسباب التّرف والتّزيّن، ويلبس ثياب الإحرام مظهرا فقره لربّه، ويتجرّد عن الدّنيا وشواغلها الّتي تصرفه عن الخلوص لمولاه، فيتعرّض بذلك لمغفرته ورحماه، ثمّ يقف في عرفة ضارعا لربّه حامدا شاكرا نعماءه وفضله، ومستغفرا لذنوبه وعثراته، وفي الطّواف حول الكعبة البيت الحرام يلوذ بجناب ربّه ويلجأ إليه من ذنوبه، ومن هوى نفسه، ووسواس الشّيطان‏.‏

ب - أنّ أداء فريضة الحجّ يؤدّي شكر نعمة المال، وسلامة البدن، وهما أعظم ما يتمتّع به الإنسان من نعم الدّنيا، ففي الحجّ شكر هاتين النّعمتين العظيمتين، حيث يجهد الإنسان نفسه ‏"‏ وينفق ماله في طاعة ربّه والتّقرّب إليه سبحانه، ولا شكّ أنّ شكر النّعماء واجب تقرّره بداهة العقول، وتفرضه شريعة الدّين‏.‏

ج - يجتمع المسلمون من أقطار الأرض في مركز اتّجاه أرواحهم، ومهوى أفئدتهم، فيتعرّف بعضهم على بعض، ويألف بعضهم بعضا، هناك حيث تذوب الفوارق بين النّاس، فوارق الغنى والفقر، فوارق الجنس واللّون، فوارق اللّسان واللّغة، تتّحد كلمة الإنسان في أعظم مؤتمر بشريّ اجتمعت كلمة أصحابه على البرّ والتّقوى وعلى التّواصي بالحقّ والتّواصي بالصّبر، هدفه العظيم ربط أسباب الحياة بأسباب السّماء‏.‏

شروط فرضيّة الحجّ

8 - شروط الحجّ صفات يجب توفّرها في الإنسان لكي يكون مطالبا بأداء الحجّ، مفروضا عليه، فمن فقد أحد هذه الشّروط لا يجب عليه الحجّ ولا يكون مطالبا به، وهذا الشّروط خمسة هي‏:‏ الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرّيّة، والاستطاعة، وهي متّفق عليها بين العلماء، قال الإمام ابن قدامة في المغني‏:‏ لا نعلم في هذا كلّه اختلافا»‏.‏ الشّرط الأوّل‏:‏ الإسلام‏:‏

9 - أ - لو حجّ الكافر ثمّ أسلم بعد ذلك تجب عليه حجّة الإسلام، لأنّ الحجّ عبادة، بل هو من أعظم العبادات والقربات، والكافر ليس من أهل العبادة‏.‏

ب - ولو أسلم وهو معسر بعد استطاعته في الكفر، فإنّه لا أثر لها‏.‏

ج - وقد أجمع العلماء على أنّ الكافر لا يطالب بالحجّ بالنّسبة لأحكام الدّنيا، أمّا بالنّسبة للآخرة فقد اختلفوا في حكمه، هل يؤاخذ بتركه أو لا يؤاخذ‏.‏ وبيان ذلك في المصطلح الأصوليّ‏.‏

الشّرط الثّاني‏:‏ العقل‏:‏

10 - يشترط لفرضيّة الحجّ العقل، لأنّ العقل شرط للتّكليف والمجنون ليس مكلّفا بفروض الدّين، بل لا تصحّ منه إجماعا، لأنّه ليس أهلا للعبادة، فلو حجّ المجنون فحجّه غير صحيح، فإذا شفي من مرضه وأفاق إلى رشده تجب عليه حجّة الإسلام‏.‏ روى عليّ بن أبي طالب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏رفع القلم عن ثلاثة‏:‏ عن المجنون المغلوب على عقله حتّى يفيق، وعن النّائم حتّى يستيقظ، وعن الصّبيّ حتّى يحتلم‏}‏‏.‏

الشّرط الثّالث‏:‏ البلوغ‏:‏

11 - يشترط البلوغ، لأنّ الصّبيّ ليس بمكلّف، وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ ‏{‏رفعت امرأة صبيّا لها فقالت‏:‏ يا رسول اللّه ألهذا حجّ ‏؟‏ قال‏:‏ نعم ولك أجر‏}‏‏.‏ فلو حجّ الصّبيّ صحّ حجّه وكان تطوّعا، فإذا بلغ الصّبيّ وجب عليه حجّة الفريضة، بإجماع العلماء، لأنّه أدّى ما لم يجب عليه، فلا يكفيه عن الحجّ الواجب بعد البلوغ، لما روى ابن عبّاس قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إذا حجّ الصّبيّ فهي له حجّة حتّى يعقل، وإذا عقل فعليه حجّة أخرى، وإذا حجّ الأعرابيّ فهي له حجّة، فإذا هاجر فعليه حجّة أخرى‏}‏‏.‏

الشّرط الرّابع‏:‏ الحرّيّة‏:‏

12 - العبد المملوك لا يجب عليه الحجّ، لأنّه مستغرق في خدمة سيّده، ولأنّ الاستطاعة شرط ولا تتحقّق إلاّ بملك الزّاد والرّاحلة، والعبد لا يتملّك شيئا، فلو حجّ المملوك ولو بإذن سيّده صحّ حجّه وكان تطوّعا لا يسقط به الفرض، ويأثم إذا لم يأذن له سيّده بذلك‏.‏ ويجب عليه أن يؤدّي حجّة الإسلام عندما يعتق، للحديث السّابق‏.‏

الشّرط الخامس‏:‏ الاستطاعة‏:‏

13 - لا يجب الحجّ على من لم تتوفّر فيه خصال الاستطاعة لأنّ القرآن خصّ الخطاب بهذه الصّفة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا‏}‏‏.‏

وخصال الاستطاعة الّتي تشترط لوجوب الحجّ قسمان‏:‏ شروط عامّة للرّجال والنّساء، وشروط تخصّ النّساء‏.‏

القسم الأوّل‏:‏ شروط عامّة للرّجال والنّساء

شروط الاستطاعة العامّة أربع خصال‏:‏ القدرة على الزّاد وآلة الرّكوب، وصحّة البدن، وأمن الطّريق، وإمكان السّير‏.‏

الخصلة الأولى

14 - تشترط لوجوب الحجّ القدرة على الزّاد وآلة الرّكوب، والنّفقة ذهابا وإيابا عند الجمهور ومنهم الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، ويختصّ اشتراط القدرة على آلة الرّكوب بمن كان بعيدا عن مكّة‏.‏ قال في ‏"‏ الهداية ‏"‏‏:‏ وليس من شرط الوجوب على أهل مكّة ومن حولها الرّاحلة لأنّه لا تلحقهم مشقّة زائدة في الأداء، فأشبه السّعي إلى الجمعة»‏.‏ والأظهر أنّ الّذي يكون عند الحنفيّة بعيدا عن مكّة هو‏:‏ من بينه وبين مكّة ثلاثة أيّام فصاعدا، أمّا ما دونه فلا، إذا كان قادرا على المشي ‏"‏ يعني مسافة القصر في السّفر‏.‏ وتقدّر ب ‏(‏81‏)‏ كيلو متر تقريبا‏.‏ أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فهو من كان بينه وبين مكّة مرحلتان، وهي مسافة القصر عندهم‏.‏ وتقدّر عندهم بنحو المسافة السّابقة‏.‏

15 - وقد وقع الخلاف بين العلماء في شرطيّة الزّاد وآلة الرّكوب لوجوب الحجّ، وكانوا يركبون الدّوابّ‏.‏ لذلك عبّروا بقولهم‏:‏ الزّاد والرّاحلة ‏"‏ وهي الجمل المعدّ للرّكوب لأنّه المعروف في زمانهم‏.‏ وهذا الخلاف في أمرين‏:‏ الأمر الأوّل‏:‏ خالف المالكيّة الجمهور في اشتراط القدرة على الرّاحلة وإن كانت المسافة بعيدة فقالوا‏:‏ يجب عليه الحجّ إذا كان صحيح البنية يقدر على المشي بلا مشقّة عظيمة، وهو يملك الزّاد‏.‏ واستدلّ المالكيّة بقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا‏}‏‏.‏ وجه الاستدلال أنّ ‏"‏ من كان صحيح البدن قادرا على المشي وله زاد فقد استطاع إليه سبيلا فيلزمه فرض الحجّ»‏.‏ واستدلّ الجمهور بما ورد من الأحاديث الكثيرة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه فسّر السّبيل باستطاعة الزّاد والرّاحلة، مثل حديث أنس‏:‏ ‏{‏قيل يا رسول اللّه ما السّبيل ‏؟‏ قال‏:‏ الزّاد والرّاحلة‏}‏‏.‏ فقد فسّر النّبيّ صلى الله عليه وسلم الاستطاعة المشروطة ‏"‏ بالزّاد والرّاحلة جميعا ‏"‏ وبه تبيّن أنّ القدرة على المشي لا تكفي لاستطاعة الحجّ»‏.‏

الأمر الثّاني‏:‏ اختلف العلماء في الزّاد ووسائل المواصلة هل يشترط ملكيّة المكلّف لما يحصّلها به أو لا يشترط ‏؟‏ فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ ملك ما يحصّل به الزّاد ووسيلة النّقل ‏(‏مع ملاحظة ما ذكرنا عند المالكيّة‏)‏ شرط لتحقّق وجوب الحجّ، وفي هذا يقول ابن قدامة‏:‏ ولا يلزمه الحجّ ببذل غيره له، ولا يصير مستطيعا بذلك، سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيّا، وسواء بذل له الرّكوب والزّاد، أو بذل له مالا»‏.‏ وذهب الشّافعيّ فيما يروى عنه إلى أنّه يجب الحجّ بإباحة الزّاد والرّاحلة إذا كانت الإباحة ممّن لا منّة له على المباح له، كالوالد إذا بذل الزّاد والرّاحلة لابنه‏.‏

شروط الزّاد وآلة الرّكوب

16 - ذكر العلماء شروطا في الزّاد وآلة الرّكوب المطلوبين لاستطاعة الحجّ، هي تفسير وبيان لهذا الشّرط، نذكرها فيما يلي‏:‏

أ - أنّ الزّاد الّذي يشترط ملكه هو ما يحتاج إليه في ذهابه وإيابه من مأكول ومشروب وكسوة بنفقة وسط لا إسراف فيها ولا تقتير، فلو كان يستطيع زادا أدنى من الوسط الّذي اعتاده لا يعتبر مستطيعا للحجّ، ويتضمّن اشتراط الزّاد أيضا ما يحتاج إليه من آلات للطّعام والزّاد ممّا لا يستغني عنه‏.‏ واعتبر المالكيّة القدرة على الوصول إلى مكّة، ولو بلا زاد وراحلة لذي صنعة تقوم به، ولا تزري بمثله، أمّا الإياب فلا يشترط القدرة على نفقته عندهم إلاّ أن يعلم أنّه إن بقي هناك ضاع وخشي على نفسه ولو شكّا، فيراعى ما يبلّغه ويرجع به إلى أقرب المواضع لمكّة، ممّا يمكنه أن يعيش به بما لا يزري به من الحرف‏.‏

ب - صرّح الفقهاء بأنّه يشترط في الرّاحلة أن تكون ممّا يصلح لمثله إمّا بشراء أو بكراء‏.‏ وعند المالكيّة ‏"‏ لا يعتبر إلاّ ما يوصّله فقط ‏"‏، إلاّ أن يكون عليه مشقّة فادحة فيخفّف عنه بما تزول به المشقّة الفادحة‏.‏ وهذا المعنى ملحوظ عند غيرهم فيما يصلح لمثلة إذا كان يشقّ عليه مشقّة شديدة فيخفّف عنه بما يزيلها‏.‏ ج - إن ملك الزّاد ووسيلة النّقل يشترط أن يكون فاضلا عمّا تمسّ إليه الحاجة الأصليّة مدّة ذهابه وإيابه، عند الجمهور‏.‏ أمّا المالكيّة فاعتبروا ما يوصّله فقط، إلاّ أن يخشى الضّياع، وهو بناء على وجوب الحجّ على الفور عندهم‏.‏ وفي هذا تفصيل نوضّحه في الأمور الّتي تشملها الحاجة الأصليّة‏.‏

خصال الحاجة الأصليّة

17 - خصال الحاجة الأصليّة ثلاث‏:‏

أ - نفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم مدّة ذهابه وإيابه عند الجمهور ‏(‏خلافا للمالكيّة كما نوضّح في الخصلة التّالية‏)‏، لأنّ النّفقة حقّ للآدميّين، وحقّ العبد مقدّم على حقّ الشّرع‏.‏ لما روى عبد اللّه بن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ ‏{‏كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يقوت‏}‏‏.‏

ب - ما يحتاج إليه هو وأهله من مسكن، وممّا لا بدّ لمثله كالخادم وأثاث البيت وثيابه بقدر الاعتدال المناسب له في ذلك كلّه، عند الجمهور خلافا للمالكيّة أيضا‏.‏ وقال المالكيّة في هاتين الخصلتين‏:‏ يبيع في زاده داره الّتي تباع على المفلس وغيرها ممّا يباع على المفلس من ماشية وثياب ولو لجمعته إن كثرت قيمتها، وخادمه، وكتب العلم ولو محتاجا إليها‏.‏ وإن كان يترك ولده وزوجته لا مال لهم، فلا يراعي ما يؤول إليه أمره وأمر أهله وأولاده في المستقبل، وإن كان يصير فقيرا لا يملك شيئا، أو يترك أولاده ونحوهم للصّدقة، إن لم يخش هلاكا فيما ذكر أو شديد أذى»‏.‏ وهذا لأنّ الحجّ عندهم واجب على الفور كما قدّمنا‏.‏

ج - قضاء الدّين الّذي عليه، لأنّ الدّين من حقوق العباد، وهو من حوائجه الأصليّة، فهو آكد، وسواء كان الدّين لآدميّ أو لحقّ اللّه تعالى كزكاة في ذمّته أو كفّارات ونحوها‏.‏ فإذا ملك الزّاد والحمولة زائدا عمّا تقدّم - على التّفصيل المذكور - فقد تحقّق فيه الشّرط، وإلاّ بأن اختلّ شيء ممّا ذكر لم يجب عليه الحجّ‏.‏

18 - ويتعلّق بذلك فروع نذكر منها‏:‏

أ - من كان له مسكن واسع يفضل عن حاجته، بحيث لو باع الجزء الفاضل عن حاجته من الدّار الواسعة لوفّى ثمنه للحجّ يجب عليه البيع عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏ ولا يجب عليه بيع الجزء الفاضل عند الحنفيّة‏.‏

ب - كذلك لو كان مسكنه نفيسا يفوق على مثله لو أبدل دارا أدنى لو في تكاليف الحجّ يجب عليه عند الثّلاثة، ولا يجب عند الحنفيّة‏.‏

ج - من ملك بضاعة لتجارته هل يلزمه صرف مال تجارته للحجّ ‏؟‏ ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يشترط لوجوب الحجّ بقاء رأس مال لحرفته زائدا على نفقة الحجّ، ورأس المال يختلف باختلاف النّاس، والمراد ما يمكنه الاكتساب به قدر كفايته وكفاية عياله لا أكثر، لأنّه لا نهاية له‏.‏ وعند الشّافعيّة قولان‏:‏ الأصحّ أنّه يلزمه صرف مال تجارته لنفقة الحجّ ولو لم يبق له رأس مال لتجارته‏.‏ وهو مذهب المالكيّة كما سبق نقل كلامهم‏.‏

د - إذا ملك نقودا لشراء دار يحتاج إليها وجب عليه الحجّ إن حصلت له النّقود وقت خروج النّاس للحجّ، وإن جعلها في غيره أثم‏.‏ أمّا قبل خروج النّاس للحجّ فيشتري بالمال ما شاء، لأنّه ملكه قبل الوجوب على ما اختاره ابن عابدين‏.‏

هـ - من وجب عليه الحجّ وأراد أن يتزوّج وليس عنده من المال إلاّ ما يكفي لأحدهما، ففيها التّفصيل الآتي‏:‏

1 - أن يكون في حالة اعتدال الشّهوة، فهذا يجب عليه تقديم الحجّ على الزّواج عند الجمهور، إذا ملك النّفقة في أشهر الحجّ، أمّا إن ملكها في غيرها فله صرفها حيث شاء‏.‏ أمّا الشّافعيّة فالصّحيح عندهم أنّه يلزمه الحجّ ويستقرّ في ذمّته، وله صرف المال إلى النّكاح وهو أفضل‏.‏

2 - أن يكون في حالة توقان نفسه والخوف من الزّنى، فهذا يكون الزّواج في حقّه مقدّما على الحجّ اتّفاقا‏.‏

و - قال ابن عابدين في حاشيته‏:‏ تنبيه‏:‏ ليس من الحوائج الأصليّة ما جرت به العادة المحدثة لرسم الهديّة للأقارب والأصحاب، فلا يعذر بترك الحجّ لعجزه عن ذلك‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏ وهذا لا يتصوّر فيه خلاف بعد ما ذكرناه، وهو يدلّ على إثم من أخّر الحجّ بسبب هذه التّقاليد الفاسدة‏.‏

الخصلة الثّانية للاستطاعة‏:‏ صحّة البدن

19 - إنّ سلامة البدن من الأمراض والعاهات الّتي تعوق عن الحجّ شرط لوجوب الحجّ‏.‏ فلو وجدت سائر شروط وجوب الحجّ في شخص وهو مريض زمن أو مصاب بعاهة دائمة، أو مقعد أو شيخ كبير لا يثبت على آلة الرّكوب بنفسه فلا يجب عليه أن يؤدّي بنفسه فريضة اتّفاقا‏.‏ لكن اختلفوا هل صحّة البدن شرط لأصل الوجوب، أو هي شرط للأداء بالنّفس‏:‏ ذهب الشّافعيّة والحنابلة والصّاحبان من الحنفيّة إلى أنّ صحّة البدن ليست شرطا للوجوب، بل هي شرط للّزوم الأداء بالنّفس، فمن كان هذا حاله يجب عليه الحجّ، بإرسال من ينوب عنه‏.‏ وقال الإمامان أبو حنيفة ومالك‏:‏ إنّها شرط للوجوب، وبناء على ذلك لا يجب على فاقد صحّة البدن أن يحجّ بنفسه ولا بإنابة غيره، ولا الإيصاء بالحجّ عنه في المرض‏.‏ استدلّ الأوّلون‏:‏ بأنّه صلى الله عليه وسلم فسّر الاستطاعة بالزّاد والرّاحلة، وهذا له زاد وراحلة فيجب عليه الحجّ‏.‏ واستدلّ أبو حنيفة ومالك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من استطاع إليه سبيلا‏}‏ وهذا غير مستطيع بنفسه فلا يجب عليه الحجّ‏.‏

20 - وتفرّع على ذلك مسائل، نذكر منها‏:‏

أ - من كان قادرا على الحجّ بمساعدة غيره كالأعمى، وجب عليه الحجّ بنفسه إذا تيسّر له من يعينه، تبرّعا أو بأجرة، إن كان قادرا على أجرته، إذا كانت أجرة المثل، ولا يكفيه حجّ الغير عنه إلاّ بعد أن يموت‏.‏ ومن لم يستطع الحجّ بنفسه بمساعدة غيره وجب عليه أن يرسل غيره، ليحجّ عنه‏.‏ ويجب على المريض أن يوصي بالحجّ عنه بعد موته‏.‏ هذا على مذهب الصّاحبين والجمهور‏.‏ أمّا على مذهب أبي حنيفة فلا يجب عليه شيء، لأنّ الحجّ غير واجب عليه‏.‏ أمّا المالكيّة فقد وافقوا الجمهور في هذه المسألة، لكن على أساس مذهبهم في مسألة الرّكوب السّابقة ‏(‏فقرة 15‏)‏ وأوجبوا عليه المشي إن كان يقدر على المشي‏.‏

ب - إذا وجدت شروط الحجّ مع صحّة البدن فتأخّر حتّى أصيب بعاهة تمنعه من الحجّ ولا يرجى زوالها فالحجّ واجب عليه اتّفاقا، ويجب عليه أن يرسل شخصا يحجّ عنه باتّفاق العلماء‏.‏ أمّا إذا أصيب بعاهة يرجى زوالها فلا تجوز الإنابة، بل يجب عليه الحجّ بنفسه عند زوالها عنه‏.‏

الخصلة الثّالثة‏:‏ أمن الطّريق

21 - أمن الطّريق يشمل الأمن على النّفس والمال، وذلك وقت خروج النّاس للحجّ، لأنّ الاستطاعة لا تثبت دونه‏.‏ ووقع الخلاف في أمن الطّريق كما في صحّة البدن‏:‏ فمذهب المالكيّة والشّافعيّة ورواية أبي شجاع عن أبي حنيفة ورواية عن أحمد أنّه شرط الوجوب‏.‏ لأنّ الاستطاعة لا تتحقّق بدون أمن الطّريق‏.‏ وفي رواية أخرى عند أبي حنيفة وأحمد، وهو الأصحّ عند الحنفيّة ورجّحه المتأخّرون من الحنفيّة والحنابلة أنّ أمن الطّريق شرط للأداء بالنّفس لا لأصل الوجوب‏.‏ واستدلّوا بنحو أدلّتهم في إيجاب الحجّ على من فقد شرط صحّة البدن‏.‏ وعلى هذا المذهب الأخير من استوفى شروط الحجّ عند خوف الطّريق فمات قبل أمنه يجب عليه أن يوصي بالحجّ‏.‏ أمّا إذا مات بعد أمن الطّريق فتجب عليه الوصيّة بالحجّ عنه اتّفاقا‏.‏

الخصلة الرّابعة‏:‏ إمكان السّير

22 - إمكان السّير أن تكمل شرائط الحجّ في المكلّف والوقت متّسع يمكنه الذّهاب للحجّ‏.‏ وهذا شرط لأصل الوجوب عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة، وشرط للأداء عند الحنابلة‏.‏ وعبّر الحنفيّة عن هذا الشّرط بالوقت‏.‏ وجعله بعضهم شرطا مفردا من شرائط وجوب الحجّ‏.‏ وفسّروا هذا الشّرط بأنّه أشهر الحجّ، أو وقت خروج أهل بلده إن كانوا يخرجون قبلها، فلا يجب الحجّ إلاّ على القادر فيها، أو في وقت خروجهم‏.‏ وفسّر غيرهم إمكان السّير بوقت الخروج للحجّ‏.‏ 23 - واستدلّ الجمهور على أنّ إمكان السّير شرط لوجوب الحجّ بالآتي‏:‏

أ - أنّ إمكان السّير من لواحق الاستطاعة وهي شرط لوجوب الحجّ‏.‏

ب - أنّ ذلك بمنزلة دخول وقت الوجوب، كدخول وقت الصّلاة، فإنّها لا تجب قبل وقتها، إلاّ أنّ ذلك يختلف باختلاف البلدان، فيعتبر وقت الوجوب في حقّ كلّ شخص عند خروج أهل بلده، فالتّقييد بأشهر الحجّ في الآية إنّما هو بالنّسبة إلى أهل أمّ القرى ومن حولها، وللإشعار بأنّ الأفضل أن لا يقع الإحرام فيما قبلها على مقتضى قواعد الحنفيّة من أنّ الإحرام شرط، خلافا للشّافعيّة من أنّه لا يجوز الإحرام قبل الأشهر لكونه ركنا»‏.‏ واستدلّ الحنابلة على أنّ إمكان السّير شرط للّزوم أداء الحجّ بنفسه بأنّه يتعذّر الأداء دون القضاء، كالمرض المرجوّ برؤه، وعدم الزّاد والرّاحلة يتعذّر معه الجميع‏.‏

القسم الثّاني‏:‏ الشّروط الخاصّة بالنّساء

24 - ما يخصّ النّساء من شروط الاستطاعة شرطان لا بدّ منهما لكي يجب الحجّ على المرأة يضافان إلى خصال شرط الاستطاعة الّتي ذكرناها‏.‏ هذان الشّرطان هما‏:‏ الزّوج أو المحرم، وعدم العدّة‏.‏

أوّلا‏:‏ الزّوج أو المحرم الأمين

25 - يشترط أن يصحب المرأة في سفر الحجّ زوجها أو محرم منها، إذا كانت المسافة بينها وبين مكّة ثلاثة أيّام، وهي مسيرة القصر في السّفر، وإلى هذا ذهب الحنفيّة والحنابلة‏.‏ واستدلّوا بحديث ابن عمر أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏لا تسافر المرأة ثلاثا إلاّ ومعها ذو محرم‏}‏‏.‏ وتوسّع الشّافعيّة والمالكيّة فسوّغوا الاستبدال بالمحرم‏:‏ ذهب الشّافعيّة إلى أنّها إن وجدت نسوة ثقات‏:‏ اثنتين فأكثر تأمن معهنّ على نفسها كفى ذلك بدلا عن المحرم أو الزّوج بالنّسبة لوجوب حجّة الإسلام على المرأة‏.‏ وعندهم ‏"‏ الأصحّ أنّه لا يشترط وجود محرم لإحداهنّ، لأنّ الأطماع تنقطع بجماعتهنّ‏.‏ فإن وجدت امرأة واحدة ثقة فلا يجب عليها الحجّ، لكن يجوز لها أن تحجّ معها حجّة الفريضة أو النّذر، بل يجوز لها أن تخرج وحدها لأداء الفرض أو النّذر إذا أمنت‏.‏ وزاد المالكيّة توسّعا فقالوا‏:‏ المرأة إذا لم تجد المحرم أو الزّوج ولو بأجرة تسافر لحجّ الفرض أو النّذر مع الرّفقة المأمونة، بشرط أن تكون المرأة بنفسها هي مأمونة أيضا‏.‏ والرّفقة المأمونة جماعة مأمونة من النّساء، أو الرّجال الصّالحين‏.‏ قال الدّسوقيّ‏:‏ وأكثر ما نقله أصحابنا اشتراط النّساء»‏.‏ أمّا حجّ النّفل فلا يجوز للمرأة السّفر له إلاّ مع الزّوج أو المحرم فقط اتّفاقا، ولا يجوز لها السّفر بغيرهما، بل تأثم به‏.‏

نوع الاشتراط للمحرم

26 - اختلفوا في الزّوج أو المحرم هل هو شرط وجوب أو شرط للزوم الأداء بالنّفس‏:‏ ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في الرّاجح عندهم وهو رواية عن أبي حنيفة إلى أنّ المحرم شرط لوجوب الحجّ، ويحلّ محلّه عند فقده الرّفقة المأمونة عند الشّافعيّة والمالكيّة على الوجه الّذي ذكرناه‏.‏ والرّاجح عند الحنفيّة أنّ الزّوج أو المحرم شرط للّزوم الأداء بالنّفس‏.‏ وأدلّة الفريقين هي ما سبق الاستدلال به في صحّة البدن وأمن الطّريق ‏(‏ف 19 و 21‏)‏‏.‏

المحرم المشروط للسّفر

27 - المحرم الأمين المشروط في استطاعة المرأة للحجّ هو كلّ رجل مأمون عاقل بالغ يحرم عليه بالتّأبيد التّزوّج منها سواء كان التّحريم بالقرابة أو الرّضاعة أو الصّهريّة‏.‏‏.‏‏.‏ ونحو ذلك يشترط في الزّوج عند الحنفيّة والحنابلة بزيادة شرط الإسلام في المحرم‏.‏ وقال المالكيّة بذلك في حقيقة المحرم لكن لا يشترط في المحرم البلوغ بل التّمييز والكفاية‏.‏ وعند الشّافعيّة‏:‏ يكفي المحرم الذّكر، وإن لم يكن ثقة فيما يظهر، لأنّ الوازع الطّبيعيّ أقوى من الشّرعيّ، إذا كان له غيرة تمنعه أن يرضى بالزّنى»‏.‏

فروع تتعلّق بالمسألة

28 - أ - يشترط لوجوب الحجّ على المرأة أن تكون قادرة على نفقة نفسها ونفقة المحرم إن طلب منها النّفقة، لأنّه يستحقّها عليها عند الحنفيّة‏.‏ وكذلك عبّر بالنّفقة ابن قدامة من الحنابلة‏.‏ وعبّر المالكيّة والشّافعيّة وابن مفلح من الحنابلة بالأجرة‏.‏ والمراد أجرة المثل‏.‏ ولو امتنع المحرم عن الخروج إلاّ بأجرة لزمتها إن قدرت عليها، وحرم عليها الخروج مع الرّفقة المأمونة وهذا عند المالكيّة‏.‏ وأمّا عند الشّافعيّة فهي مخيّرة بين أن تكون في صحبة زوج أو محرم أو رفقة مأمونة‏.‏

ب - الزّوج إذا حجّ مع امرأته فلها عليه النّفقة، نفقة الحضر لا السّفر، وليس له أن يأخذ منها أجرا مقابل الخروج معها عند الحنفيّة، وهو ظاهر كلام الحنابلة، لأنّهم خصّوا المحرم بأخذ الأجرة‏.‏ وعند المالكيّة والشّافعيّة له أخذ الأجرة إذا كانت أجرة المثل‏.‏

ج - إذا وجدت محرما لم يكن للزّوج منعها من الذّهاب معه لحجّ الفرض، ويجوز أن يمنعها من النّفل عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ ليس للمرأة الحجّ إلاّ بإذن الزّوج فرضا كان أو غيره ‏"‏ لأنّ في ذهابها تفويت حقّ الزّوج، وحقّ العبد مقدّم، لأنّه فرض بغير وقت إلاّ في العمر كلّه، ‏"‏ فإن خافت العجز البدنيّ بقول طبيبين عدلين لم يشترط إذن الزّوج»‏.‏ واستدلّ الجمهور بأنّ حقّ الزّوج لا يقدّم على فرائض العين كصوم رمضان، فليس للزّوج منع زوجته منه، لأنّه فرض عين عليها‏.‏

ثانيا‏:‏ عدم العدّة

29 - يشترط ألا تكون المرأة معتدّة عن طلاق أو وفاة مدّة إمكان السّير للحجّ، وهو شرط متّفق عليه بين العلماء على تفاصيل فيه‏.‏ والدّليل على ذلك أنّ اللّه تعالى نهى المعتدّات عن الخروج من بيوتهنّ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ ولا يخرجن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنة‏}‏، والحجّ يمكن أداؤه في وقت آخر، فلا تلزم بأدائه وهي في العدّة‏.‏ وقد عمّم الحنفيّة هذا الشّرط لكلّ معتدّة سواء كانت عدّتها من طلاق بائن أو رجعيّ، أو وفاة، أو فسخ نكاح‏.‏ ونحو ذلك عند المالكيّة‏.‏ وفصّل الحنابلة فقالوا‏:‏ لا تخرج المرأة إلى الحجّ في عدّة الوفاة، ولها أن تخرج إليه في عدّة الطّلاق المبتوت، وذلك لأنّ لزوم البيت فيه واجب في عدّة الوفاة، وقدّم على الحجّ لأنّه يفوت، والطّلاق المبتوت لا يجب فيه ذلك‏.‏ وأمّا عدّة الرّجعيّة فالمرأة فيه بمنزلتها في طلب النّكاح، لأنّها زوجة‏.‏ ونحو ذلك عند الشّافعيّة، فقد صرّحوا بأنّ للزّوج أن يمنع المطلّقة الرّجعيّة للعدّة، وذلك لأنّه يحقّ للزّوج عندهم منعها عن حجّة الفرض في مذهبهم‏.‏

30 - ثمّ اختلف الحنفيّة في عدم العدّة‏:‏ هل هو شرط وجوب أو شرط أداء، والأظهر أنّه شرط للزوم الأداء بالنّفس‏.‏ أمّا عند الجمهور فهو شرط للوجوب‏.‏

فروع

31 - لو خالفت المرأة وخرجت للحجّ في العدّة صحّ حجّها، وكانت آثمة‏.‏

ب - إن خرجت من بلدها للحجّ وطرأت عليها العدّة ففيها تفصيل عند الحنفيّة‏:‏ إن طلّقها زوجها طلاقا رجعيّا تبعت زوجها، رجع أو مضى، لم تفارقه، والأفضل أن يراجعها‏.‏ وإن كان بائنا أو مات عنها فإن كان إلى منزلها أقلّ من مدّة السّفر وإلى مكّة مدّة سفر فإنّه يجب أن تعود إلى منزلها، وإن كانت إلى مكّة أقلّ مضت إلى مكّة، وإن كانت إلى الجانبين أقلّ من مدّة السّفر فهي بالخيار إن شاءت مضت، وإن شاءت رجعت إلى منزلها سواء كانت في المصر أو غيره، وسواء كان معها محرم أو لا، إلاّ أنّ الرّجوع أولى‏.‏ وإن كان من الجانبين مدّة سفر فإن كانت في المصر فليس لها أن تخرج بغير محرم بلا خلاف، وإن كان ذلك في مفازة أو قرية لا تأمن على نفسها ومالها فلها أن تمضي إلى موضع الأمن ثمّ لا تخرج منه حتّى تمضي عدّتها‏.‏ ونحوه عند الحنابلة‏:‏ قال في المغني‏:‏ وإذا خرجت للحجّ فتوفّي زوجها وهي قريبة رجعت لتعتدّ في منزلها، وإن تباعدت مضت في سفرها»‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ إذا خرجت مع زوجها لحجّ الفريضة فمات أو طلّقها في ثلاثة أيّام أو نحوها أنّها ترجع إذا وجدت ثقة ذا محرم، أو ناسا لا بأس بهم‏.‏ وإن بعدت أو كانت أحرمت أو أحرمت بعد الطّلاق أو الموت، وسواء أحرمت بفرض أو نفل أو لم تجد رفقة ترجع معهم فإنّها تمضي‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏ وفي حجّ التّطوّع‏:‏ ترجع لتتمّ عدّتها في بيتها إن علمت أنّها تصل قبل انقضاء عدّتها، إن وجدت ذا محرم أو رفقة مأمونة‏.‏ وإلاّ تمادت مع رفقتها‏.‏‏.‏‏.‏ ‏"‏ أمّا الشّافعيّة فعندهم تفصيل في المسألة كقولهم في مسألة إذن الزّوج في خروج الزّوجة للحجّ حتّى لو طرأت العدّة بعد الإحرام‏:‏ إذا خرجت بغير إذنه فله منعها وتحليلها، وإن خرجت بإذنه فليس له منعها ولا تحليلها‏.‏

شروط صحّة الحجّ

شروط صحّة الحجّ أمور تتوقّف عليها صحّة الحجّ وليست داخلة فيه‏.‏ فلو اختلّ شيء منها كان الحجّ باطلا، وهي‏:‏

الشّرط الأوّل‏:‏ الإسلام‏:‏

32 - يشترط الإسلام لأنّ الكافر ليس أهلا للعبادة ولا تصحّ منه، فلا يصحّ حجّ الكافر أصالة ولا نيابة، فإن حجّ أو حجّ عنه ثمّ أسلم، وجبت عليه حجّة الإسلام‏.‏

الشّرط الثّاني‏:‏ العقل‏:‏

33 - يشترط العقل لأنّ المجنون ليس أهلا للعبادة أيضا ولا تصحّ منه‏.‏ فلو حجّ المجنون فحجّه غير صحيح، وإذا أفاق وجبت عليه حجّة الإسلام‏.‏ لكن يصحّ أن يحجّ عن المجنون وليّه ويقع نفلا‏.‏

الشّرط الثّالث‏:‏ الميقات الزّمانيّ‏:‏

34 - ذكر اللّه تعالى للحجّ زمانا لا يؤدّى في غيره، في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الحجّ أشهر معلومات‏}‏‏.‏ قال عبد اللّه بن عمر وجماهير الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم‏:‏ هي شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة»‏.‏ ووقع الخلاف في نهار يوم النّحر، فقال الحنفيّة والحنابلة‏:‏ هو من أشهر الحجّ‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ آخر أشهر الحجّ ليلة النّحر، وليس نهار يوم النّحر منها‏.‏ ووسّع المالكيّة فقالوا‏:‏ آخر أشهر الحجّ نهاية شهر ذي الحجّة‏.‏ وامتداد الوقت بعد ليلة النّحر إلى آخر ذي الحجّة عند المالكيّة إنّما هو بالنّظر إلى جواز التّحلّل من الإحرام وكراهة العمرة فقط‏.‏ فلو فعل شيئا من أعمال الحجّ خارج وقت الحجّ لا يجزيه، فلو صام المتمتّع أو القارن ثلاثة أيّام قبل أشهر الحجّ لا يجوز، وكذا السّعي بين الصّفا والمروة عقب طواف القدوم لا يقع عن سعي الحجّ إلاّ فيها‏.‏ نعم أجاز الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة الإحرام بالحجّ قبلها مع الكراهة عندهم‏.‏ ‏(‏انظر مصطلحي إحرام فقرة 34، وأشهر الحجّ‏)‏‏.‏ ولا يصحّ الإحرام بالحجّ قبل وقته عند الشّافعيّة، فلو أحرم به في غير وقته انعقد عمرة على الصّحيح عندهم‏.‏

الشّرط الرّابع‏:‏ الميقات المكانيّ‏:‏

35 - هناك أماكن وقّتها الشّارع أي حدّدها لأداء أركان الحجّ، لا تصحّ في غيرها‏.‏ فالوقوف بعرفة، مكانه أرض عرفة‏.‏ والطّواف بالكعبة، مكانه حول الكعبة‏.‏ والسّعي، مكانه المسافة بين الصّفا والمروة‏.‏ ونفصّل توقيت المكان لكلّ منسك في موضعه إن شاء اللّه تعالى‏.‏

شروط إجزاء الحجّ عن الفرض

36 - شروط إجزاء الحجّ عن الفرض ثمانية وهي‏:‏

أ - الإسلام‏:‏ وهو شرط لوقوعه عن الفرض والنّفل، بل لصحّته من أساسه كما هو معلوم‏.‏

ب - بقاؤه على الإسلام إلى الموت من غير ارتداد عياذا باللّه تعالى، فإن ارتدّ عن الإسلام بعد الحجّ ثمّ تاب عن ردّته وأسلم وجب عليه الحجّ من جديد عند الحنفيّة والمالكيّة، ورواية عن أحمد‏.‏ وقال الشّافعيّة وهو رواية عن أحمد‏:‏ لا تجب عليه حجّة الإسلام مجدّدا بعد التّوبة عن الرّدّة‏.‏ استدلّ الحنفيّة والمالكيّة ومن معهم بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لئن أشركت ليحبطنّ عملك‏.‏‏.‏‏}‏ فقد جعلت الآية الرّدّة نفسها محبطة للعمل‏.‏ واستدلّ الشّافعيّ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون‏}‏‏.‏ فقد دلّت الآية على أنّ إحباط الرّدّة للعمل مشروط بالموت كافرا‏.‏

د - الحرّيّة‏:‏ فإذا حجّ العبد ثمّ عتق لا تسقط عنه حجّة الإسلام‏.‏ وقد سبق الكلام فيها‏.‏ ‏(‏فقرة 12‏)‏‏.‏

هـ - البلوغ‏:‏ فإذا حجّ الصّبيّ ثمّ بلغ فعليه حجّة الإسلام‏.‏ وقد سبق الكلام فيه ‏(‏فقرة 11 و 12‏)‏‏.‏

و - الأداء بنفسه إن قدر عليه‏:‏ بأن يكون صحيحا مستكملا شروط وجوب أداء الحجّ بنفسه، فإنّه حينئذ إذا أحجّ عنه غيره صحّ الحجّ ووقع نفلا، وبقي الفرض في ذمّته‏.‏ أمّا إذا اختلّ شرط من شروط وجوب الأداء بنفسه فأحجّ عنه غيره صحّ وسقط الفرض عنه، بشرط استمرار العذر إلى الموت‏.‏

ز - عدم نيّة النّفل‏:‏ فيقع الحجّ عن الفرض بنيّة الفرض في الإحرام، وبمطلق نيّة الحجّ‏.‏ أمّا إذا نوى الحجّ نفلا وعليه حجّة الفرض أو نذر، فإنّه يقع نفلا عند الحنفيّة والمالكيّة‏.‏ ويقع عن الفرض أو النّذر عند الشّافعيّة، وهو المذهب عند الحنابلة‏.‏ يدلّ للأوّلين حديث ‏{‏وإنّما لكلّ امرئ ما نوى‏}‏‏.‏ وهذا نوى النّفل فلا يقع عن الفرض، لأنّه ليس له إلاّ ما نواه‏.‏ واستدلّ للآخرين بأنّه قول ابن عمر وأنس‏.‏ وأنّ المراد بالحديث غير الحجّ‏.‏

ح - عدم النّيّة عن الغير‏:‏ وهذا محلّ اتّفاق إذا كان المحرم بالحجّ قد حجّ عن نفسه قبل ذلك، فإن نوى عن غيره وقع عن غيره اتّفاقا‏.‏ أمّا إذا لم يكن حجّ عن نفسه حجّة الإسلام ونوى عن غيره فإنّه يقع عن الغير مع الكراهة عند الحنفيّة والمالكيّة، ويقع عن نفسه عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏ ويأتي مزيد تفصيل لذلك في بحث الحجّ عن الغير‏.‏

كيفيّات الحجّ

37 - يؤدّى الحجّ على ثلاث كيفيّات، وهي‏:‏

أ - الإفراد‏:‏ وهو أن يهلّ الحاجّ أي ينوي الحجّ فقط عند إحرامه ثمّ يأتي بأعمال الحجّ وحده‏.‏

ب - القران‏:‏ وهو أن يهلّ بالعمرة والحجّ جميعا، فيأتي بهما في نسك واحد‏.‏ وقال الجمهور‏:‏ إنّهما يتداخلان، فيطوف طوافا واحدا ويسعى سعيا واحدا ويجزئه ذلك عن الحجّ والعمرة‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ يطوف القارن طوافين ويسعى سعيين، طواف وسعي للعمرة، ثمّ طواف الزّيارة والسّعي للحجّ‏.‏ ويجب على القارن أن ينحر هديا بالإجماع‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏قران‏)‏‏.‏

ج - التّمتّع‏:‏ وهو أن يهلّ بالعمرة فقط في أشهر الحجّ، ويأتي مكّة فيؤدّي مناسك العمرة، ويتحلّل‏.‏ ويمكث بمكّة حلالا، ثمّ يحرم بالحجّ ويأتي بأعماله‏.‏ ويجب عليه أن ينحر هديا بالإجماع‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تمتّع‏)‏‏.‏

مشروعيّة كيفيّات الحجّ

38 - اتّفق الفقهاء على مشروعيّة كلّ كيفيّات الحجّ الّتي ذكرناها‏.‏ ويستدلّ لذلك بالكتاب والسّنّة والإجماع‏:‏ أمّا الكتاب فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي‏}‏‏.‏ وأمّا السّنّة‏:‏ فمنها حديث عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ ‏{‏خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عام حجّة الوداع، فمنّا من أهلّ بعمرة، ومنّا من أهلّ بحجّة وعمرة، ومنّا من أهلّ بالحجّ‏.‏ وأهلّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالحجّ‏.‏ فأمّا من أهلّ بالحجّ، أو جمع الحجّ والعمرة فلم يحلّوا حتّى كان يوم النّحر‏}‏‏.‏ وأمّا الإجماع‏:‏ فقد تواتر عمل الصّحابة ومن بعدهم على التّخيير بين هذه الأوجه كما نصّ على ذلك الأئمّة، ومن ذلك‏:‏

1 - تصريح الإمام الشّافعيّ الّذي نقلناه سابقا، وقوله ‏"‏ ثمّ ما لا أعلم فيه خلافا ‏"‏

2 - قال القاضي حسين من الشّافعيّة‏:‏ وكلّها جائزة بالإجماع ‏"‏

3 - قال الإمام النّوويّ‏:‏ وقد انعقد الإجماع بعد هذا - أي بعد الخلاف الّذي نقل عن بعض الصّحابة - على جواز الإفراد والتّمتّع والقران من غير كراهة ‏"‏

4 - قال الخطّابيّ‏:‏ لم تختلف الأمّة في أنّ الإفراد والقران، والتّمتّع بالعمرة إلى الحجّ كلّها جائزة»‏.‏

هدي التّمتّع والقران

38 - يجب بإجماع العلماء على القارن والمتمتّع أن يذبح هديا، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي‏}‏‏.‏ وتفصيله في ‏(‏هدي، وتمتّع، وقران‏)‏‏.‏

المفاضلة بين كيفيّات أداء الحجّ

39 - فضّل كلّ كيفيّة من كيفيّات الحجّ طائفة من العلماء، وذلك بسبب اختلاف الرّوايات في حجّه صلى الله عليه وسلم ولاستنباطات قوّة ذلك التّفضيل عند كلّ جماعة‏:‏

أ - ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ الإفراد بالحجّ أفضل، وبه قال عمر بن الخطّاب، وعثمان، وعليّ، وابن مسعود، وابن عمر، وجابر، والأوزاعيّ، وأبو ثور‏.‏ ومن أدلّتهم‏:‏

1 - حديث عائشة السّابق، وفيه قولها‏:‏ ‏{‏وأهلّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالحجّ‏}‏‏.‏ وغيره من أحاديث تفيد أنّه صلى الله عليه وسلم كان مفردا بالحجّ‏.‏

2 - أنّه أشقّ عملا من القران، وليس فيه استباحة محظور كما في التّمتّع، فيكون أكثر ثوابا‏.‏ إلاّ أنّ المالكيّة فضّلوا الإفراد، ثمّ القران، ثمّ التّمتّع، وقدّم الشّافعيّة التّمتّع على القران‏.‏ وشرط تفضيل الإفراد على غيره - على ما صرّح به الشّافعيّة - ‏"‏ أن يحجّ ثمّ يعتمر في سنته، فإن أخّر العمرة عن سنة الحجّ فكلّ واحد من التّمتّع والقران أفضل منه، بلا خلاف، لأنّ تأخير العمرة عن سنة الحجّ مكروه»‏.‏

ب - ذهب الحنفيّة إلى أنّ أفضلها القران، ثمّ التّمتّع، ثمّ الإفراد، وهو قول سفيان الثّوريّ والمزنيّ صاحب الشّافعيّ‏.‏ وابن المنذر، وأبي إسحاق المروزيّ‏.‏ ومن أدلّتهم‏:‏

1 - حديث عمر رضي الله عنه ‏{‏سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول‏:‏ أتاني اللّيلة آت من ربّي، فقال‏:‏ صلّ في هذا الوادي المبارك، وقل‏:‏ عمرة في حجّة‏}‏‏.‏ فقد أمر اللّه نبيّه بإدخال العمرة على الحجّ بعد أن كان مفردا، ولا يأمره إلاّ بالأفضل‏.‏ وهذا يجمع بين الرّوايات المختلفة في حجّه صلى الله عليه وسلم فالمصير إليه متعيّن‏.‏ 2 - أنّه أشقّ لكونه أدوم إحراما، وأسرع إلى العبادة، ولأنّ فيه جمعا بين العبادتين فيكون أفضل‏.‏

ج - ذهب الحنابلة إلى أنّ التّمتّع أفضل، فالإفراد، فالقران‏.‏ ‏"‏ وممّن روي عنه اختيار التّمتّع‏:‏ ابن عمر، وابن عبّاس، وابن الزّبير، وعائشة، والحسن، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وجابر بن زيد، والقاسم، وسالم، وعكرمة، وهو أحد قولي الشّافعيّ»‏.‏ ومن أدلّتهم‏:‏

1 - قوله صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر -‏:‏ ‏{‏لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ، وليجعلها عمرة‏}‏‏.‏ فقد أمر أصحابه بالتّمتّع، وتمنّاه لنفسه، ولا يأمر ولا يتمنّى إلاّ الأفضل‏.‏

2 - أنّ المتمتّع، يجتمع له الحجّ والعمرة في أشهر الحجّ، مع كمالهما، وكمال أفعالهما، على وجه اليسر والسّهولة، مع زيادة نسك، لكان ذلك أولى‏.‏

صفة أداء الحجّ بكيفيّاته كلّها

ونقسم أعمال الحجّ لتسهيل فهم أدائها إلى قسمين‏:‏

أ - أعمال الحجّ حتّى قدوم مكّة‏.‏

ب - أعمال الحجّ بعد قدوم مكّة‏.‏ أعمال الحجّ حتّى قدوم مكّة‏:‏

40 - من أراد الحجّ فإنّه يشرع بالاستعداد للإحرام ‏(‏انظر مصطلح إحرام، وخصوصا ف 117‏)‏، وينوي في إحرامه الكيفيّة الّتي يريد أداء الحجّ عليها، فإن أراد الإفراد نوى الحجّ، وإن أراد القران نوى الحجّ والعمرة، وإن أراد التّمتّع نوى العمرة فقط‏.‏ فإذا دخل مكّة بادر إلى المسجد الحرام، وتوجّه إلى الكعبة المعظّمة بغاية الخشوع والإجلال، ويبدأ بالطّواف من الحجر الأسود، فيطوف سبعة أشواط، وهذا الطّواف هو طواف القدوم للمفرد بالحجّ، وهو طواف العمرة لمن أحرم متمتّعا ‏(‏انظر تمتّع‏)‏‏.‏ أمّا إن كان قارنا فيقع عن القدوم عند الجمهور، وعن العمرة عند الحنفيّة، وعليه أن يطوف طوافا آخر للقدوم عندهم ‏(‏انظر مصطلح قران‏)‏‏.‏ ويقطع المتمتّع التّلبية بشروعه بالطّواف، ولا يقطعها المفرد والقارن حتّى يشرع في الرّمي يوم النّحر ‏(‏انظر تلبية‏)‏‏.‏ ويستلم الحجر في ابتداء الطّواف ويقبّله، وكلّما مرّ به، إن تيسّر ذلك من غير إيذاء لأحد، وإلاّ لمسه بيده أو بشيء يمسكه بها وقبّله، وإلاّ أشار بيديه، وإن كان يريد السّعي بعده فيسنّ له أن يضطبع في أشواط طوافه هذا كلّها، ويرمل في الثّلاثة الأولى‏.‏ وليكثر من الدّعاء والذّكر في طوافه كلّه، ولا سيّما المأثور ‏(‏انظر مصطلح‏:‏ طواف‏)‏‏.‏ وإذا فرغ من طوافه يصلّي ركعتي الطّواف عند مقام إبراهيم إن أمكن، ثمّ إن أراد السّعي يذهب إلى الصّفا ويسعى بين الصّفا والمروة سبعة أشواط، مراعيا أحكام السّعي وآدابه‏.‏ ‏(‏انظر‏:‏ سعي‏)‏‏.‏ وهذا السّعي يقع عن الحجّ للمفرد، وعن العمرة للمتمتّع، وعن الحجّ والعمرة للقارن، على ما هو مذهب الجمهور في القران، أمّا عند الحنفيّة فعن العمرة فقط للقارن، وعليه سعي آخر للحجّ عندهم ‏(‏انظر مصطلح‏:‏ قران‏)‏‏.‏ وهنا يحلق المتمتّع رأسه بعد السّعي أو يقصّره ‏(‏انظر حلق‏)‏، وقد حلّ من إحرامه‏.‏ ‏(‏انظر‏:‏ إحرام‏:‏ ف 126‏)‏‏.‏ أمّا المفرد والقارن فهما على إحرامهما إلى أن يتحلّلا بأعمال يوم النّحر‏.‏

أعمال الحجّ بعد قدوم مكّة

41 - يمكث الحاجّ في مكّة بعد القدوم وما ذكرنا فيه - إلى يوم التّروية ليؤدّي سائر المناسك ويؤدّي أعمال الحجّ هذه في ستّة أيّام كما يلي‏:‏ يوم التّروية‏:‏

42 - وهو يوم الثّامن من ذي الحجّة، وينطلق فيه الحجّاج إلى منى، ويحرم المتمتّع بالحجّ، أمّا المفرد والقارن فهما على إحرامهما، ويبيتون بمنى اتّباعا للسّنّة، ويصلّون فيها خمس صلوات‏:‏ الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر‏.‏ وهذا فجر يوم عرفة‏.‏

يوم عرفة

43 - وهو يوم عظيم يؤدّي فيه الحجّاج الوقوف بعرفة ركن الحجّ الّذي يتوقّف على فواته بطلان الحجّ، ثمّ المبيت بالمزدلفة‏.‏

أ - الوقوف بعرفة‏:‏ وفيه يسنّ أن يخرج الحاجّ من منى إلى عرفة بعد طلوع الفجر، وعرفة كلّها موقف إلاّ بطن عرنة، ويسنّ ألا يدخل عرفة إلاّ بعد الزّوال، وبعد أن يجمع الظّهر والعصر تقديما، فيقف بعرفة مراعيا أحكامه وسننه وآدابه، ويستمرّ إلى غروب الشّمس، ولا يجاوز عرفة قبله، ويتوجّه إلى اللّه في وقوفه خاشعا ضارعا بالدّعاء والذّكر والقرآن والتّلبية‏.‏‏.‏‏.‏ حتّى يدفع من عرفة‏.‏

ب - المبيت بالمزدلفة‏:‏ إذا غربت شمس يوم عرفة يسير الحاجّ من عرفة إلى المزدلفة، ويجمع بها المغرب والعشاء تأخيرا، ويبيت فيها، وهو واجب عند الجمهور سنّة عند الحنفيّة، ثمّ يصلّي الفجر ويقف للدّعاء، والوقوف بعد الفجر واجب عند الحنفيّة سنّة عند الجمهور إلاّ أنّ الحنفيّة يرون أنّه إذا نفر لعذر كزحمة قبل الفجر فلا شيء عليه‏.‏ ويستمرّ واقفا يدعو ويهلّل ويلبّي حتّى يسفر جدّا، لينطلق إلى منى‏.‏ ويستحبّ له أن يلقط الجمار ‏(‏الحصيات الصّغار‏)‏ من المزدلفة، ليرمي بها، وعددها سبعون، للرّمي كلّه، وإلاّ فسبعة يرمي بها يوم النّحر‏.‏

يوم النّحر

44 - يسنّ أن يدفع الحاجّ من مزدلفة إلى منى يوم النّحر قبل طلوع الشّمس، ليؤدّي أعمال النّحر، وهو أكثر أيّام الحجّ عملا، ويكثر في تحرّكه من الذّكر والتّلبية والتّكبير‏.‏ وأعمال هذا اليوم هي‏:‏

أ - رمي جمرة العقبة‏:‏ فيجب على الحاجّ في هذا اليوم رمي جمرة العقبة وحدها، وتسمّى الجمرة الكبرى‏.‏ يرميها بسبع حصيات، ويكبّر مع كلّ حصاة، ويقطع التّلبية مع ابتداء الرّمي‏.‏

ب - نحر الهدي، وهو واجب على المتمتّع والقارن، سنّة لغيرهما‏.‏

ج - الحلق أو التّقصير‏:‏ والحلق أفضل للرّجال، مكروه كراهة شديدة للنّساء‏.‏

د - طواف الزّيارة‏:‏ ويأتي ترتيبه بعد الأعمال السّابقة، فيفيض الحاجّ أي يرحل إلى مكّة ليطوف الزّيارة، وهو طواف الرّكن في الحجّ‏.‏ وإن كان قدّم السّعي فلا يضطبع ولا يرمل في هذا الطّواف، لأنّه لم يبق سعي بعده، وإن لم يقدّم السّعي فليسع بعد الطّواف، ويضطبع ويرمل في طوافه، كما هي السّنّة في كلّ طواف بعده سعي‏.‏

هـ - السّعي بين الصّفا والمروة‏:‏ لمن لم يقدّم السّعي من قبل‏.‏

و - التّحلّل‏:‏ ويحصل بأداء الأعمال الّتي ذكرناها، وهو قسمان‏:‏ التّحلّل الأوّل‏:‏ أو الأصغر‏:‏ تحلّ به محظورات الإحرام عدا النّساء‏.‏ ويحصل بالحلق عند الحنفيّة، وبالرّمي عند المالكيّة والحنابلة، وبفعل ثلاثة من أعمال يوم النّحر ‏(‏استثني منها الذّبح حيث لا دخل له في التّحلّل‏)‏ عند الشّافعيّة‏.‏ التّحلّل الثّاني‏:‏ أو الأكبر‏:‏ تحلّ به كلّ محظورات الإحرام حتّى النّساء‏.‏ ويحصل بطواف الإفاضة فقط بشرط الحلق عند الحنفيّة، وبالإفاضة مع السّعي عند المالكيّة والحنابلة، وباستكمال الأعمال الأربعة عند الشّافعيّة‏.‏

أوّل وثاني أيّام التّشريق

45 - هما ثاني وثالث أيّام النّحر، وفيهما ما يلي‏:‏

أ - المبيت بمنى ليلتي هذين اليومين‏:‏ وهو واجب عند الجمهور سنّة عند الحنفيّة‏.‏

ب - رمي الجمار الثّلاث‏:‏ يرميها على التّرتيب‏:‏ الجمرة الأولى أو الصّغرى وهي أقرب الجمرات إلى مسجد الخيف بمنى، ثمّ الجمرة الثّانية أو الوسطى، ثمّ الثّالثة الكبرى جمرة العقبة‏.‏ يرمي كلّ واحدة بسبع حصيات، ويدعو بين كلّ جمرتين‏.‏

ج - النّفر الأوّل‏:‏ يحلّ للحاجّ إذا رمى جمار اليوم الثّاني من أيّام التّشريق أن يرحل إلى مكّة، ويسقط عنه رمي اليوم الثّالث، إذا جاوز حدود منى قبل غروب الشّمس عند الجمهور، وقبل فجر ثالث أيّام التّشريق عند الحنفيّة‏.‏

د - التّحصيب‏:‏ وهو مستحبّ عند الجمهور، فينزل الحاجّ بالمحصّب عند وصوله مكّة إن تيسّر له ليذكر اللّه تعالى فيه ويصلّي‏.‏

ثالث أيّام التّشريق

46 - هو رابع أيّام النّحر، وفيه‏:‏

أ - الرّمي‏:‏ يجب رمي الجمار الثّلاث في هذا اليوم على من تأخّر، فلم ينفر النّفر الأوّل، وينتهي وقته ووقت الرّمي كلّه أيضا قضاء وأداء بغروب شمس هذا اليوم اتّفاقا‏.‏ وتنتهي بغروبه مناسك منى‏.‏

ب - النّفر الثّاني‏:‏ ينفر أي يرحل سائر الحجّاج في هذا اليوم إلى مكّة بعد رمي الجمار، ولا يشرع المكث بمنى بعد ذلك‏.‏

ج - التّحصيب‏:‏ عند وصول مكّة، كما مرّ ذكره، في النّفر الأوّل‏.‏

د - المكث بمكّة‏:‏ تنتهي المناسك بنهاية أعمال منى - عدا طواف الوداع - ويمكث الحاجّ بمكّة إلى وقت سفره في عبادة، وذكر، وطواف، وعمل خير‏.‏ ويأتي المفرد بالعمرة، فإنّ وقتها كلّ أيّام السّنة عدا يوم عرفة وأربعة أيّام بعده فتكره فيها كراهة تحريم عند الحنفيّة‏.‏ ‏(‏انظر مصطلح‏:‏ إحرام‏:‏ ف 38‏)‏ ‏(‏وعمرة‏)‏‏.‏

طواف الوداع

46 م - إذا أراد الحاجّ السّفر من مكّة يجب عليه عند الجمهور أن يطوف بالبيت طواف الوداع، والمعنى الملاحظ في هذا الطّواف أن يكون آخر العهد بالبيت، ولا رمل في هذا الطّواف ولا اضطباع، وبعد أن يصلّي ركعتي الطّواف، يأتي زمزم ويشرب من مائها مستقبل البيت، ويتشبّث بأستار الكعبة، ويستلم الحجر الأسود إن تيسّر له من غير إيذاء أحد، ثمّ يسير إلى باب الحرم ووجهه تلقاء الباب، داعيا بالقبول، والغفران، وبالعود مرّة بعد مرّة، وألاّ يكون ذلك آخر العهد من هذا البيت العتيق‏.‏

أركان الحجّ

47 - أركان الحجّ فيما اتّجه إليه جمهور الفقهاء أربعة‏:‏ الإحرام‏.‏ والوقوف بعرفة‏.‏ والطّواف وهو طواف الزّيارة‏.‏ والسّعي‏.‏ وأركان الحجّ عند الحنفيّة ركنان‏:‏ الوقوف بعرفة، وطواف الزّيارة‏.‏ وعند الشّافعيّة ستّ‏:‏ الأربع المذكورة عند الجمهور والحلق أو التّقصير، والتّرتيب بين معظم الأركان‏.‏

الرّكن الأوّل‏:‏ الإحرام‏:‏

48 - الإحرام في اللّغة‏:‏ الدّخول في الحرمة‏.‏ وفي الاصطلاح‏:‏ الإحرام بالحجّ‏:‏ نيّة الحجّ عند الجمهور‏.‏ والنّيّة مع التّلبية وهي قول‏:‏ لبّيك اللّهمّ - عند الحنفيّة‏.‏ والإحرام ركن من أركان الحجّ عند الجمهور، وشرط من شروط صحّته عند الحنفيّة‏.‏ وهو عندهم شرط من وجه ركن من وجه‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏إحرام‏)‏‏.‏

الرّكن الثّاني‏:‏ الوقوف بعرفة‏:‏

49 - المراد من الوقوف بعرفة‏:‏ وجود الحاجّ في أرض ‏(‏عرفة‏)‏، بالشّروط والأحكام المقرّرة‏.‏ والوقوف بعرفة ركن أساسيّ من أركان الحجّ، يختصّ بأنّه من فاته فقد فاته الحجّ‏.‏ وقد ثبتت ركنيّة الوقوف بعرفة بالأدلّة القاطعة من الكتاب والسّنّة والإجماع‏:‏ أمّا القرآن فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس‏}‏‏.‏ فقد ثبت أنّها نزلت تأمر بالوقوف بعرفة‏.‏ وأمّا السّنّة‏:‏ فعدّة أحاديث، أشهرها حديث‏:‏ ‏{‏الحجّ عرفة‏}‏‏.‏ وأمّا الإجماع‏:‏ فقد صرّح به عدد من العلماء، وقال ابن رشد‏:‏ أجمعوا على أنّه ركن من أركان الحجّ، وأنّه من فاته فعليه حجّ قابل»‏.‏

وقت الوقوف بعرفة

50 - يبدأ وقت الوقوف بعرفة من زوال الشّمس يوم عرفة - وهو تاسع ذي الحجّة - ويمتدّ إلى طلوع الفجر الصّادق يوم عيد النّحر حتّى لو وقف بعرفة في غير هذا الوقت كان وقوفه باطلا اتّفاقا في الجملة‏.‏ وقد أجمعوا على أنّ آخر وقت وقوف عرفة هو طلوع الفجر يوم النّحر‏.‏ أمّا ابتداء وقت الوقوف بعرفة فقد وقع فيه اختلاف‏:‏ ذهب الجمهور ‏(‏الحنفيّة والشّافعيّة‏)‏ على أنّ أوّله زوال شمس يوم عرفة‏.‏ وذهب مالك‏:‏ إلى أنّ وقت الوقوف هو اللّيل، فمن لم يقف جزءا من اللّيل لم يجزئ وقوفه وعليه الحجّ من قابل، وأمّا الوقوف نهارا فواجب ينجبر بالدّم بتركه عمدا بغير عذر‏.‏ وعند الحنابلة‏:‏ وقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النّحر ‏"‏

الزّمن الّذي يستغرقه الوقوف

أمّا الزّمن الّذي يستغرقه الوقوف ففيه تفصيل‏:‏

51 - قسم الحنفيّة والحنابلة زمان الوقوف إلى قسمين‏:‏

أ - زمان الرّكن‏:‏ الّذي تتأدّى به فريضة الوقوف بعرفة‏:‏ وهو أن يوجد في عرفة خلال المدّة الّتي عرّفناها عند كلّ، ولو زمانا قليلا جدّا‏.‏

ب - زمان الواجب‏:‏ وهو أن يستمرّ من وقف بعد الزّوال إلى أن تغرب الشّمس، فلا يجاوز حدّ عرفة إلاّ بعد الغروب، ولو بلحظة‏.‏ وهو المقصود بقولهم‏:‏ أن يجمع بين اللّيل والنّهار بعرفة‏.‏ فلو فارق عرفة قبل الغروب وجب عليه دم عند الجمهور، أمّا إذا لم يقف بعرفة إلاّ بعد المغرب فلا شيء عليه‏.‏ وأمّا المالكيّة فزمان الرّكن عندهم هو الوقوف ليلا، أمّا نهارا فواجب‏.‏ وأمّا الشّافعيّة‏:‏ فالمعتمد عندهم أنّ الجمع بين اللّيل والنّهار بعرفة سنّة ليس واجبا، لكن يستحبّ له بتركه الفداء استحبابا، وفي أيّ وقت وقف بعرفة من بعد الزّوال إلى فجر يوم النّحر أجزأه‏.‏

الثّالث‏:‏ طواف الزّيارة‏:‏

52 - طواف الزّيارة يؤدّيه الحاجّ بعد أن يفيض من عرفة ويبيت بالمزدلفة، ويأتي منى يوم العيد فيرمي وينحر ويحلق ثمّ بعد ذلك يفيض إلى مكّة فيطوف بالبيت سمّي طواف الزّيارة لأنّ الحاجّ يأتي من منى فيزور البيت ولا يقيم بمكّة، بل يرجع ليبيت بمنى‏.‏ ويسمّى أيضا طواف الإفاضة، لأنّ الحاجّ يفعله عند إفاضته من منى إلى مكّة‏.‏ وعدد أشواط الطّواف سبعة، وكلّها ركن عند الجمهور‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ الرّكن هو أكثر السّبعة، والباقي واجب ينجبر بالدّم‏.‏ ويجب المشي في الطّواف على القادر عليه عند الجمهور، وهو سنّة عند الشّافعيّة‏.‏ ويسنّ الرّمل والاضطباع في الطّواف إذا كان سيسعى بعده وإلاّ فلا يسنّ‏.‏ ويصلّي بعد الطّواف ركعتين وجوبا عند الجمهور وسنّة عند الشّافعيّة‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏طواف‏)‏‏.‏

كنيّة طواف الزّيارة

53 - ثبت فرضيّة طواف الزّيارة بالكتاب والسّنّة والإجماع‏:‏ أمّا الكتاب‏:‏ فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وليطّوّفوا بالبيت العتيق‏}‏ فقد أجمع العلماء على أنّ الآية في طواف الإفاضة، فيكون فرضا بنصّ القرآن‏.‏ وأمّا السّنّة‏:‏ فقد ‏{‏حجّت أمّ المؤمنين صفيّة بنت حييّ رضي الله عنها مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فحاضت، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ أحابستنا هي ‏؟‏ قالوا‏:‏ إنّها قد أفاضت‏.‏ قال‏:‏ فلا إذن‏}‏‏.‏ فدلّ الحديث على أنّ طواف الإفاضة فرض لا بدّ منه، ولولا فرضيّته لم يمنع من لم يأت به عن السّفر‏.‏ وعليه الإجماع‏.‏

شروط طواف الزّيارة

54 - يشترط في طواف الزّيارة شروط خاصّة به سوى الشّروط العامّة للطّواف وهذه الشّروط الخاصّة هي‏:‏

أ - أن يكون مسبوقا بالإحرام، لتوقّف احتساب أيّ عمل من أعمال الحجّ على الإحرام‏.‏

ب - أن يكون مسبوقا بوقوف عرفة، فلو طاف للإفاضة قبل الوقوف بعرفة لا يسقط به فرض الطّواف، إجماعا‏.‏

ج - النّيّة‏:‏ بأن يقصد أصل الطّواف‏.‏ أمّا نيّة التّعيين فليست شرطا في طواف الإفاضة عند الجمهور ‏(‏الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة‏)‏ لدخوله في نيّة الحجّ‏.‏ لذلك صرّحوا بشرطيّة عدم صرفه لغيره، كطلب غريم، أو هرب من ظالم‏.‏ أمّا الحنابلة‏:‏ فقد اشترطوا تعيين الطّواف في النّيّة‏.‏

د - الوقت‏:‏ فلا يصحّ طواف الإفاضة قبل الوقت المحدّد له شرعا‏.‏ وهو وقت موسّع يبتدئ من طلوع الفجر الثّاني يوم النّحر عند الحنفيّة والمالكيّة‏.‏ وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ أوّل وقت طواف الإفاضة بعد منتصف ليلة النّحر لمن وقف بعرفة قبله‏.‏ استدلّ الحنفيّة والمالكيّة بأنّ‏:‏ ما قبل الفجر من اللّيل وقت الوقوف بعرفة، والطّواف مرتّب عليه ‏"‏، فلا يصحّ أن يتقدّم ويشغل شيئا من وقت الوقوف‏.‏ واستدلّ الشّافعيّة بقياس الطّواف على الرّمي، لأنّهما من أسباب التّحلّل، فإنّه بالرّمي للجمار والذّبح والحلق يحصل التّحلّل الأوّل، وبالطّواف يحصل التّحلّل الأكبر ‏(‏بشرط السّعي‏)‏، فكما أنّ وقت الرّمي يبدأ عندهم بعد نصف اللّيل فكذا وقت طواف الإفاضة‏.‏ والأفضل عند العلماء أداؤه يوم النّحر بعد الرّمي والحلق‏.‏ 55 - وأمّا آخر وقت طواف الفرض فليس لآخره حدّ معيّن لأدائه فرضا، بل جميع الأيّام واللّيالي وقته إجماعا‏.‏ لكنّ الإمام أبا حنيفة أوجب أداءه في أيّام النّحر، فلو أخّره حتّى أدّاه بعدها صحّ، ووجب عليه دم جزاء تأخيره عنها‏.‏ وهو المفتى به في المذهب‏.‏ والمشهور عند المالكيّة أنّه لا يلزمه بالتّأخير شيء إلاّ بخروج ذي الحجّة، فإذا خرج لزمه دم‏.‏ وذهب الصّاحبان، والشّافعيّة، والحنابلة، إلى أنّه لا يلزمه شيء بالتّأخير أبدا‏.‏ استدلّ أبو حنيفة بأنّ اللّه تعالى عطف الطّواف على الذّبح في الحجّ، فقال‏:‏ ‏{‏فكلوا منها‏}‏، ثمّ قال‏:‏ ‏{‏وليطّوّفوا بالبيت العتيق‏}‏، فكان وقتهما واحدا، فيكره تأخير الطّواف عن أيّام النّحر، وينجبر بالدّم‏.‏ إلاّ أنّ المالكيّة نظروا إلى شهر ذي الحجّة أنّه تقام فيه أعمال الحجّ، فسوّوا بين كلّ أيّامه، وجعلوا التّأخير عنه موجبا للفداء‏.‏ واستدلّ الشّافعيّة والحنابلة، بأنّ الأصل عدم التّأقيت، وليس هناك ما يوجب فعله في أيّام النّحر، فلا يلزم الحاجّ فدية إذا أخّر طواف الإفاضة إلى ما بعد أيّام النّحر‏.‏ فإذا تأخّر طواف الإفاضة عن أيّام النّحر أو شهر ذي الحجّة، فإنّه لا يسقط أبدا، وهو محرم عن النّساء أبدا إلى أن يعود فيطوف‏.‏ ولا يكفي الفداء عن أداء طواف الإفاضة إجماعا، لأنّه ركن، وأركان الحجّ لا يجزئ عنها البدل، ولا يقوم غيرها مقامها، بل يجب الإتيان بها بعينها‏.‏

الرّابع‏:‏ السّعي بين الصّفا والمروة‏:‏ المراد بالسّعي بين الصّفا والمروة قطع المسافة بينهما سبع مرّات، بعد أن يكون طاف بالبيت‏.‏ حكم السّعي‏:‏

56 - ذهب الأئمّة الثّلاثة إلى أنّ السّعي ركن من أركان الحجّ لا يصحّ بدونه، حتّى لو ترك الحاجّ خطوة منه يؤمر بأن يعود إلى ذلك الموضع فيضع قدمه عليه، ويخطو تلك الخطوة‏.‏ وهو قول عائشة وعروة بن الزّبير‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّ السّعي واجب في الحجّ وليس بركن، وهو مذهب الحسن البصريّ وسفيان الثّوريّ‏.‏ وركن السّعي عند الجمهور سبعة أشواط، حتّى لو ترك شيئا منها لم يتحلّل من إحرامه، أمّا الحنفيّة فإنّ ركن السّعي أكثر أشواط السّعي، والثّلاثة الباقية ليست ركنا، وتنجبر بالفداء‏.‏ والمشي للقادر واجب في السّعي عند الحنفيّة والمالكيّة، سنّة عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏

واجبات الحجّ

57 - الواجب في الحجّ‏:‏ هو ما يطلب فعله ويحرم تركه، لكن لا تتوقّف صحّة الحجّ عليه، ويأثم تاركه، إلاّ إذا تركه بعذر معتبر شرعا، ويجب عليه الفداء بجبر النّقص‏.‏ وواجبات الحجّ قسمان‏:‏ القسم الأوّل‏:‏ الواجبات الأصليّة، الّتي ليست تابعة لغيرها‏.‏ القسم الثّاني‏:‏ الواجبات التّابعة لغيرها‏.‏ وهي أمور يجب مراعاتها في أداء ركن أو واجب من أعمال الحجّ‏.‏ أوّلا‏:‏ واجبات الحجّ الأصليّة‏:‏ المبيت بمزدلفة‏:‏

58 - المزدلفة تسمّى ‏"‏ جمعا ‏"‏ أيضا، لاجتماع النّاس بها ليلة النّحر‏.‏ واتّفق الفقهاء على أنّ المبيت بالمزدلفة واجب ليس بركن‏.‏ ثمّ اختلفوا في مقداره ووقته‏.‏ فذهب الأئمّة الثّلاثة إلى أنّ زمن الوقوف الواجب هو المكث بالمزدلفة من اللّيل، ثمّ اختلف أصحاب هذا الرّأي‏.‏ فذهب المالكيّة إلى أنّ النّزول بالمزدلفة قدر حطّ الرّحال في ليلة النّحر واجب، والمبيت بها سنّة‏.‏ وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجب الوجود بمزدلفة بعد نصف اللّيل، ولو ساعة لطيفة‏:‏ أي فترة ما من الزّمن ولو قصيرة‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه ما بين طلوع الفجر يوم النّحر وطلوع الشّمس، فمن حصّل بمزدلفة في هذا الوقت فترة من الزّمن فقد أدرك الوقوف، سواء بات بها أو لا، ومن لم يحصّل بها فيه فقد فاته الوقوف الواجب بالمزدلفة‏.‏ وعليه دم إلاّ إن تركه لعذر كزحمة فلا شيء عليه‏.‏ واتّفقوا على أنّ الحاجّ يجمع في المزدلفة بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير، وهذا الجمع سنّة عند الجمهور، واجب عند الحنفيّة‏.‏

ثانيا‏:‏ رمي الجمار‏:‏

59 - الرّمي لغة‏:‏ القذف‏.‏ والجمار‏:‏ الأحجار الصّغيرة، جمع جمرة، وهي الحصاة‏.‏ ورمي الجمار واجب في الحجّ، أجمعت الأمّة على وجوبه‏.‏ والرّمي الواجب لكلّ جمرة ‏(‏أي موضع الرّمي‏)‏ هو سبع حصيات بالإجماع أيضا‏.‏ توقيت الرّمي وعدده‏:‏

60 - أيّام الرّمي أربعة‏:‏ يوم النّحر العاشر من ذي الحجّة، وثلاثة أيّام بعده وتسمّى ‏"‏ أيّام التّشريق ‏"‏ الرّمي يوم النّحر‏:‏

61 - واجب الرّمي في هذا اليوم هو رمي جمرة العقبة وحدها فقط، يرميها بسبع حصيات‏.‏ ووقت الرّمي هذا يبدأ من طلوع فجر يوم النّحر عند الحنفيّة والمالكيّة‏.‏ ومن منتصف ليلة يوم النّحر لمن وقف بعرفة قبله عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏ وآخر وقت الرّمي عند الحنفيّة إلى فجر اليوم التّالي، وعند المالكيّة إلى المغرب‏.‏ حتّى يجب الدّم في المذهبين بتأخير رمي يوم عن الوقت المذكور‏.‏ وآخر وقت الرّمي عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏ يمتدّ إلى آخر أيّام التّشريق‏.‏ الرّمي في اليوم الأوّل والثّاني من أيّام التّشريق‏:‏

62 - يجب في هذين اليومين رمي الجمار الثّلاث على التّرتيب‏:‏ أوّلا الجمرة الصّغرى، الّتي تلي مسجد الخيف بمنى، ثمّ الوسطى، بعدها، ثمّ جمرة العقبة، يرمي كلّ جمرة منها بسبع حصيات‏.‏ ويبدأ وقت الرّمي في هذين اليومين بعد الزّوال، ولا يجوز قبله عند جمهور العلماء، وهي الرّواية الظّاهرة عن أبي حنيفة‏.‏ وروى الحسن عن أبي حنيفة‏:‏ «إن كان من قصده أن يتعجّل في النّفر الأوّل فلا بأس أن يرمي في اليوم الثّالث قبل الزّوال، وإن رمى بعده فهو أفضل، وإن لم يكن ذلك من قصده لا يجوز أن يرمي إلاّ بعد الزّوال، وذلك لدفع الحرج، لأنّه إذا نفر بعد الزّوال لا يصل إلى مكّة إلاّ باللّيل، فيحرج في تحصيل موضع النّزول‏.‏ أمّا الوقت المسنون فيمتدّ من زوال الشّمس إلى غروبها‏.‏ وأمّا نهاية وقت الرّمي‏:‏ فقيّده الحنفيّة والمالكيّة في كلّ يوم بيومه، كما في يوم النّحر‏.‏ وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ آخر الوقت بغروب شمس اليوم الرّابع من أيّام النّحر، وهو آخر أيّام التّشريق‏.‏ النّفر الأوّل‏:‏

63 - إذا رمى الحاجّ الجمار ثاني أيّام التّشريق يجوز له أن ينفر - أي يرحل - إلى مكّة، إن أحبّ التّعجّل في الانصراف من منى، ويسمّى هذا اليوم يوم النّفر الأوّل، وبه يسقط رمي اليوم الثّالث من أيّام التّشريق اتّفاقا‏.‏ ومذهب الأئمّة الثّلاثة‏:‏ له أن ينفر قبل غروب الشّمس، ومذهب الحنفيّة‏:‏ له أن ينفر ما لم يطلع الفجر من اليوم الرّابع من أيّام النّحر‏.‏ الرّمي ثالث أيّام التّشريق‏:‏

64 - يجب رمي الجمار الثّلاث في هذا اليوم على من تأخّر ولم ينفر من منى ‏"‏ النّفر الأوّل ‏"‏ ووقته عند الجمهور بعد الزّوال، وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز أن يقدّم الرّمي في هذا اليوم قبل الزّوال بعد طلوع الفجر‏.‏ واتّفقوا على أنّ آخر وقت الرّمي في هذا اليوم غروب الشّمس، وأنّ وقت الرّمي لهذا اليوم ولقضاء ما قبله ينتهي أيضا بغروب شمس اليوم الرّابع، لخروج وقت المناسك بغروب شمسه‏.‏ النّفر الثّاني‏:‏

65 - إذا رمى الحاجّ الجمار الثّلاث في اليوم الثّالث من أيّام التّشريق وهو رابع أيّام النّحر انصرف من منى إلى مكّة، ولا يسنّ له أن يقيم بمنى، بعد الرّمي، ويسمّى يوم النّفر الثّاني، وبه تنتهي مناسك منى‏.‏

النّيابة في الرّمي‏:‏ الرّمي عن الغير

66 - المعذور الّذي لا يستطيع الرّمي بنفسه كالمريض يجب أن يستنيب من يرمي عنه، وينبغي أن يكون النّائب قد رمى عن نفسه، فإن لم يكن رمى عن نفسه فليرم عن نفسه الرّمي كلّه ليومه أوّلا، ثمّ ليرم عمّن استنابه، ويجزئ هذا الرّمي عن الأصيل عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏ إلاّ أنّ الحنفيّة قالوا‏:‏ لو رمى حصاة لنفسه وأخرى للآخر جاز ولكره‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ إنّ الإنابة خاصّة بمريض لا يرجى شفاؤه قبل انتهاء أيّام التّشريق، وعند الشّافعيّة قول‏:‏ إنّه يرمي حصيات الجمرة عن نفسه أوّلا، ثمّ يرميها عن نائبه إلى أن ينتهي من الرّمي‏.‏ وهو مخلص حسن لمن خشي خطر الزّحام‏.‏ ومن عجز عن الاستنابة كالصّبيّ، والمغمى عليه، فيرمي عن الصّبيّ وليّه، وعن المغمى عليه رفاقه، ولا فدية عليه، وإن لم يرم عند الحنفيّة‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ فائدة الاستنابة أن يسقط الإثم عنه إن استناب وقت الأداء‏.‏ ‏"‏ وإلاّ فالدّم عليه استناب أم لا، وإنّما وجب عليه الدّم دون الصّغير ومن ألحق به لأنّه المخاطب بسائر الأركان ‏"‏

الحلق والتّقصير

67 - اتّفق جمهور العلماء على أنّ حلق شعر الرّأس أو تقصيره واجب من واجبات الحجّ، وهو مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏.‏ وذهب الشّافعيّ في المشهور عنه وهو الرّاجح في المذهب إلى أنّه ركن في الحجّ‏.‏ واختلفوا في القدر الواجب حلقه أو تقصيره‏.‏ فعند المالكيّة والحنابلة الواجب حلق جميع الرّأس أو تقصيره، وقال الحنفيّة‏:‏ يكفي مقدار ربع الرّأس، وعند الشّافعيّة‏:‏ يكفي إزالة ثلاث شعرات أو تقصيرها‏.‏

68 - والجمهور على أنّ الحلق أو التّقصير لا يختصّ بزمان ولا مكان، لكنّ السّنّة فعله في الحرم أيّام النّحر‏.‏ وذهب أبو حنيفة إلى أنّ الحلق يختصّ بأيّام النّحر، وبمنطقة الحرم، فلو أخلّ بأيّ من هذين لزمه الدّم، ويحصل له التّحلّل بهذا الحلق‏.‏

رابعا‏:‏ المبيت بمنى ليالي أيّام التّشريق‏:‏

69 - منى‏:‏ بالكسر والتّنوين شعيب بين جبال، طوله ميلان وعرضه يسير‏.‏ والمبيت بها ليالي أيّام التّشريق واجب عند جمهور الفقهاء، يلزم الدّم لمن تركه بغير عذر‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّ المبيت بها سنّة، والقدر الواجب للمبيت عند الجمهور هو مكث أكثر اللّيل‏.‏

خامسا‏:‏ طواف الوداع‏:‏

70 - طواف الوداع يسمّى طواف الصّدر، وطواف آخر العهد‏:‏ وذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والحنابلة وهو الأظهر عند الشّافعيّة إلى أنّ طواف الوداع واجب، وذهب المالكيّة إلى أنّه سنّة‏.‏ استدلّ الجمهور على وجوبه بأمره صلى الله عليه وسلم كما روى ابن عبّاس رضي الله عنه قال‏:‏ ‏{‏أمر النّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلاّ أنّه خفّف عن المرأة الحائض‏}‏‏.‏ واستدلّ المالكيّة على أنّه سنّة، بأنّه جاز للحائض تركه دون فداء، ولو وجب لم يجز للحائض تركه‏.‏

شروط وجوبه

71 - أن يكون الحاجّ من أهل الآفاق، عند الحنفيّة والحنابلة، فلا يجب على المكّيّ، لأنّ الطّواف وجب توديعا للبيت، وهذا المعنى لا يوجد في أهل مكّة لأنّهم في وطنهم وألحق الحنفيّة من كان من منطقة المواقيت، لأنّ حكمهم حكم أهل مكّة‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ لا يسقط إلاّ عمّن كان منزله في الحرم فقط‏.‏ وعند المالكيّة والشّافعيّة يطلب طواف الوداع في حقّ كلّ من قصد السّفر من مكّة، ولو كان مكّيّا إذا قصد سفرا تقصر فيه الصّلاة‏.‏ ووصفه المالكيّة بأنّه سفر بعيد كالجحفة لا قريبا كالتّنعيم إذا خرج للسّفر لا ليقيم بموضع آخر أو بمسكنه، فإن خرج ليقيم بموضع آخر أو بمسكنه طلب منه، ولو كان الموضع الّذي خرج إليه قريبا‏.‏ 72 - الطّهارة من الحيض والنّفاس‏:‏ فلا يجب على الحائض والنّفساء، ولا يسنّ أيضا حتّى إنّهما لا يجب عليهما دم بتركه، لما سبق من حديث ابن عبّاس‏:‏ ‏{‏إلاّ أنّه خفّف عن الحائض‏}‏ وكذا حديث عائشة في قصّة صفيّة لمّا حاضت فقد سافر بها النّبيّ صلى الله عليه وسلم دون أن تطوف للوداع‏.‏ فأمّا الطّهارة من الجنابة فليست بشرط لوجوب طواف الوداع، فيكون واجبا على المحدث والجنب، لأنّه يمكنهما إزالة الحدث والجنابة في الحال بالغسل أو التّيمّم‏.‏ وإذا طهرت الحائض قبل أن تفارق بنيان مكّة يلزمها طواف الصّدر، وإن جاوزت جدران مكّة ثمّ طهرت لم يلزمها طواف الصّدر، اتّفاقا بين الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏ لأنّها حين خرجت من العمران صارت مسافرة، بدليل جواز القصر، فلا يلزمها العود ولا الدّم‏.‏

73 - أن يكون قد أدّى مناسك الحجّ مفردا أو متمتّعا أو قارنا‏.‏ فلا يجب على المعتمر عند الحنفيّة وحدهم، ولو كان آفاقيّا، وكأنّهم نظروا إلى المقصود، وهو ختم أعمال الحجّ، فلا يطلب من المعتمر‏.‏

شروط صحّته

74 - يشترط لصحّة طواف الوداع ما يأتي‏:‏

أ - أصل نيّة الطّواف لا التّعيين‏.‏

ب - أن يكون مسبوقا بطواف الزّيارة‏.‏

ج - الوقت‏:‏ ووقت طواف الوداع عند الحنفيّة يمتدّ عقب طواف الزّيارة لو تأخّر سفره، وكلّ طواف يفعله الحاجّ بعد طواف الزّيارة يقع عن طواف الصّدر‏.‏ أمّا السّفر فور الطّواف فليس من شرائط جوازه عند الحنفيّة، حتّى لو كان للصّدر، ثمّ تشاغل بمكّة بعده حتّى ولو أقام أيّاما كثيرة، لا يجب عليه طواف آخر، لأنّ المراد أن يكون آخر عهده بالبيت نسكا، لا إقامة، والطّواف آخر مناسكه بالبيت، إلاّ أنّ المستحبّ أن يؤخّر طواف الصّدر إلى الوقت الّذي يريد أن يسافر‏.‏ فيه‏.‏ وعند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وقته بعد فراغه من جميع أموره، وعزمه على السّفر، ويغتفر له أن يشتغل بعده بأسباب السّفر، كشراء الزّاد، وحمل الأمتعة ونحو ذلك ولا يعيده، لكن إن مكث بعده مشتغلا بأمر آخر غير أسباب السّفر كشراء متاع، أو زيارة صدّيق، أو عيادة مريض احتاج إلى إعادة الطّواف‏.‏

واجبات الحجّ التّابعة لغيرها

75 - واجبات الحجّ التّابعة لغيرها هي أمور يجب أداؤها في ضمن ركن من أركان الحجّ، أو ضمن واجب أصليّ من واجباته‏.‏ وتجد دراستها في المصطلحات الّتي تخصّ أركان الحجّ أو واجباته، سوى ترتيب أعمال يوم النّحر، فندرسه هنا، ونشير إلى ما سواه إشارة سريعة‏.‏

أوّلا‏:‏ واجبات الإحرام

76 - أ - كون الإحرام من الميقات المكانيّ، لا بعده ‏(‏انظر إحرام ف 31 - 32‏)‏ ب - التّلبية وهي واجبة عند المالكيّة ويسنّ قرنها بالإحرام، وشرط في الإحرام عند الحنفيّة، وسنّة عند الجمهور ‏(‏انظر إحرام‏:‏ ف 29‏)‏‏.‏

ج - اجتناب محظورات الإحرام ‏(‏انظر إحرام‏:‏ ف 31 و 55 - 94‏)‏‏.‏

ثانيا‏:‏ واجبات الوقوف بعرفة

77 - هي امتداد الوقوف إلى ما بعد المغرب على تفصيل المذاهب، سوى الشّافعيّة فإنّه سنّة عندهم‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ الوقوف بعد المغرب هو الرّكن، وقبله واجب‏.‏

ثالثا‏:‏ واجبات الطّواف

78 - أ - ذهب الحنفيّة إلى أنّ الأشواط الثّلاث الأخيرة من الطّواف واجبة‏.‏ وهي عند الجمهور ركن في الطّواف ‏(‏ف 128‏)‏ ‏(‏وانظر مصطلح طواف‏)‏‏.‏

ب - أوجب الحنفيّة الأمور التّالية في الطّواف، وقال الجمهور هي من شروط صحّته‏.‏ وهذه الأمور هي‏:‏

1 - الطّهارة من الأحداث والأنجاس‏.‏

2 - ستر العورة‏.‏

3 - ابتداء الطّواف من الحجر‏.‏

4 - التّيامن، أي كون الطّائف عن يمين البيت‏.‏

5- دخول الحجر ‏(‏أي الحطيم‏)‏ في ضمن الطّواف‏.‏

ج - أوجب الحنفيّة الأمور التّالية في الطّواف وهي سنّة عند غيرهم‏:‏

1 - المشي للقادر عليه‏.‏

2 - ركعتا الطّواف‏.‏

3 - إيقاع طواف الرّكن في أيّام النّحر‏.‏

رابعا‏:‏ واجبات السّعي

79 - أ - المشي للقادر عليه عند الحنفيّة‏.‏ وذهب الجمهور إلى أنّه سنّة‏.‏

ب - إكمال أشواط السّعي إلى سبعة بعد الأربعة الأولى عند الحنفيّة، وكلّها ركن عند الجمهور‏.‏

خامسا‏:‏ واجب الوقوف بالمزدلفة

80 - أوجب الحنفيّة جمع صلاتي المغرب والعشاء تأخيرا في المزدلفة، وهو سنّة عند الجمهور‏.‏

سادسا‏:‏ واجبات الرّمي

81 - يجب عدم تأخير رمي يوم لتاليه عند الحنفيّة، وإلى المغرب عند المالكيّة‏.‏ سابعا‏:‏ واجبات ذبح الهدي‏:‏

82 - أ - أن يكون الذّبح في أيّام النّحر‏.‏

ب - أن يكون في الحرم‏.‏

ثامنا‏:‏ واجبات الحلق والتّقصير

83 - أ - كون الحلق في أيّام النّحر عند الحنفيّة والمالكيّة‏.‏

ب - كون الحلق في الحرم عند الحنفيّة فقط‏.‏

تاسعا‏:‏ ترتيب أعمال يوم النّحر

84 - يفعل الحاجّ بمنى يوم النّحر ثلاثة أعمال على هذا التّرتيب‏:‏ رمي جمرة العقبة، ثمّ ذبح الهدي إن كان قارنا أو متمتّعا ‏(‏ر‏:‏ ف 5 - 7‏)‏ ثمّ الحلق أو التّقصير‏.‏ ثمّ يذهب إلى مكّة فيطوف طواف الزّيارة‏.‏ والأصل في هذا التّرتيب هو فعله صلى الله عليه وسلم‏:‏ عن أنس بن مالك رضي الله عنه‏:‏ ‏{‏أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النّحر، ثمّ رجع إلى منزله بمنى، فدعا بذبح فذبح، ثمّ دعا بالحلّاق فأخذ بشقّ رأسه الأيمن، فجعل يقسم بين من يليه الشّعرة والشّعرتين، ثمّ أخذ بشقّ رأسه الأيسر فحلقه‏}‏ وفي حديث جابر‏:‏ ‏{‏ثمّ ركب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت‏}‏‏.‏ حكم هذا التّرتيب‏:‏

85 - مع اتّفاقهم على مشروعيّة هذا التّرتيب فقد اختلفوا فيه‏:‏ والسّبب في هذا الاختلاف هو ورود حديث آخر يدلّ على أنّ التّرتيب سنّة، لا فداء على من تركه‏.‏ ذلك هو حديث عبد اللّه بن عمرو ‏{‏أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقف في حجّة الوداع فجعلوا يسألونه، فقال رجل‏:‏ لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح ‏؟‏ قال‏:‏ اذبح ولا حرج فجاء آخر فقال‏:‏ لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ‏؟‏ قال‏:‏ ارم ولا حرج فما سئل يومئذ عن شيء قدّم ولا أخّر إلاّ قال‏:‏ افعل ولا حرج‏}‏‏.‏ فذهب الحنفيّة والمالكيّة ورواية عن أحمد إلى وجوب ترتيب أعمال يوم النّحر على تفصيل فيه، أخذ كلّ منهم به للتّوفيق بين الأدلّة‏.‏ وذهب الشّافعيّ والصّاحبان ورواية عن أحمد إلى أنّ التّرتيب سنّة، واستدلّوا بحديث عبد اللّه بن عمرو الأخير، فإنّ قوله‏:‏ فما سئل يومئذ‏.‏‏.‏ يدلّ بعمومه على سنّيّة التّرتيب‏.‏ أمّا الأوّلون فاستدلّوا بفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فإنّه يدلّ على الوجوب، ثمّ ذهبوا مذاهب في كيفيّة التّرتيب‏:‏ فذهب الحنفيّة إلى وجوب التّرتيب بين أعمال منى حسب الوارد، أمّا التّرتيب بينها وبين طواف الإفاضة فسنّة‏.‏ واستدلّوا بأدلّة منها‏:‏ مراعاة اتّباع فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم كما نصّ عليه حديث أنس، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير، ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق‏}‏‏.‏ وجه الاستدلال أنّه أمر بقضاء التّفث وهو الحلق مرتّبا على الذّبح، فدلّ على وجوب التّرتيب‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ الواجب في التّرتيب‏:‏ تقديم الرّمي على الحلق وعلى طواف الإفاضة، وغير ذلك من التّرتيب لا يجب، بل هو سنّة‏.‏ استدلّوا على وجوب تقديم الرّمي على الحلق بأنّه بالإجماع ممنوع من حلق شعره قبل التّحلّل الأوّل، ولا يحصل التّحلّل الأوّل إلاّ برمي جمرة العقبة‏.‏ واستدلّوا على عدم وجوب تقديم الذّبح على الحلق بحديث عبد اللّه بن عمرو السّابق، أخذا بالتّقديم والتّأخير المنصوص عليه في الحديث، وفسّروا فما سئل عن شيء قدّم ولا أخّر‏.‏‏.‏‏.‏ بأنّ المراد ممّا ذكر في صدر الحديث لتقديمه وتأخيره‏.‏ وأخذ الإمام أحمد في رواية الوجوب عنه بلفظ ‏"‏ لم أشعر ‏"‏ فقال‏:‏ يجب التّرتيب على العالم به الذّاكر له، أمّا الجاهل والنّاسي فلا شيء عليه، وقيّدوا شطر الحديث الأخير ‏"‏ فما سئل‏.‏‏.‏‏.‏ ‏"‏ لهذا المعنى، أي قال‏:‏ ‏{‏لا حرج‏}‏ فيما قدّم وأخّر، من غير شعور‏.‏ والحاصل كما قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم خلافا بينهم في أنّ مخالفة التّرتيب لا تخرج هذه الأفعال عن الإجزاء، ولا يمنع وقوعها موقعها، وإنّما اختلفوا في وجوب الدّم على ما ذكرنا»‏.‏

التّحلّل من إحرام الحجّ

86 - يحصل التّحلّل بأداء أركان الحجّ وواجباته رمي جمرة العقبة، والحلق، والتّحلّل من إحرام الحجّ‏.‏ وهذا التّحلّل قسمان‏:‏ التّحلّل الأوّل أو الأصغر، والتّحلّل الثّاني أو الأكبر، وقد سبق التّحلّل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إحرام‏)‏ ‏(‏ف 122 - 125‏)‏‏.‏

سنن الحجّ ومستحبّاته وممنوعاته ومباحاته

الأوّل‏:‏ سنن الحجّ

87 - السّنن في الحجّ يطلب فعلها، ويثاب عليها، لكن لا يلزم بتركها الفداء من دم أو صدقة‏.‏

أوّلا‏:‏ طواف القدوم

88 - ويسمّى طواف القادم، طواف الورود، وطواف الوارد، وطواف التّحيّة لأنّه شرع للقادم والوارد من غير مكّة لتحيّة البيت‏.‏ ويسمّى أيضا طواف اللّقاء، وأوّل عهده بالبيت، وطواف القدوم سنّة للآفاقيّ القادم من خارج مكّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، تحيّة للبيت العتيق، لذلك يستحبّ البدء به دون تأخير، وسوّى الشّافعيّة بين داخلي مكّة المحرم منهم وغير المحرم في سنّيّة طواف القدوم‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّه واجب، من تركه لزمه الدّم‏.‏ ووجوب طواف القدوم عند المالكيّة على كلّ من أحرم من الحلّ، سواء كان من أهل مكّة أو غيرها، وسواء كان إحرامه من الحلّ واجبا كالآفاقيّ القادم محرما بالحجّ، أم ندبا كالمقيم بمكّة الّذي معه نفس ‏(‏متّسع من الوقت‏)‏ وخرج من الحرم فأحرم من الحلّ، وسواء كان أحرم بالحجّ مفردا أم قارنا، وكذا المحرم من الحرم إن كان يجب عليه الإحرام من الحلّ، بأن جاوز الميقات حلالا مخالفا للنّهي‏.‏ وهو واجب على هؤلاء ما لم يكن أحدهم مراهقا، وهو من ضاق وقته حتّى خشي فوات الوقوف بعرفات‏.‏ والأصل فيه فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم كما ثبت في أوّل حديث جابر قوله‏:‏ ‏{‏حتّى إذا أتينا البيت معه استلم الرّكن فرمل ثلاثا ومشى أربعا‏}‏‏.‏ وعن عائشة رضي الله عنها‏:‏ ‏{‏إنّ أوّل شيء بدأ به حين قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم مكّة أنّه توضّأ ثمّ طاف‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الحديث‏.‏ فاستدلّ المالكيّة بذلك على الوجوب بقوله‏:‏ ‏{‏خذوا عنّي مناسككم‏}‏‏.‏ وقال الجمهور‏:‏ إنّ القرينة قامت على أنّه غير واجب لأنّ المقصود به التّحيّة، فأشبه تحيّة المسجد، فيكون سنّة‏.‏

متى يسقط طواف القدوم

89 - يسقط طواف القدوم عمّن يلي‏:‏

أ - المكّيّ‏.‏ ومن في حكمه، وهو الآفاقيّ إذا أحرم من مكّة، وشرط فيه المالكيّة أن لا يكون وجب عليه الإحرام من الحلّ، كما سبق، ووسّع الحنفيّة فقالوا‏:‏ يسقط عمّن كان منزله في منطقة المواقيت لأنّ لها حكم مكّة‏.‏ وعلّة سقوط طواف القدوم عن هؤلاء أنّه شرع للقدوم، والقدوم في حقّهم غير موجود‏.‏

ب - المعتمر والمتمتّع ولو آفاقيّا عند الجمهور، لدخول طواف الفرض عليه، وهو طواف العمرة، فطواف القدوم عندهم خاصّ بمن أحرم بالحجّ مفردا، أو قارنا بين الحجّ والعمرة، وتفرّد الحنابلة فقالوا‏:‏ يطوف المتمتّع للقدوم قبل طواف الإفاضة، ثمّ يطوف طواف الإفاضة‏.‏

ج - من قصد عرفة رأسا للوقوف يسقط عنه طواف القدوم، ‏"‏ لأنّ محلّه المسنون قبل وقوفه ‏"‏، وقرّر المالكيّة أنّه إذا أحرم بالحجّ من الحرم أو أحرم به من الحلّ ولكنّه مراهق أو أحرم بالعمرة من الحلّ ثمّ أردف بالحجّ عليها في الحرم فإنّه لا يطالب بطواف القدوم وإذا لم يطالب بطواف القدوم فإنّه يؤخّر السّعي إلى طواف الإفاضة، لأنّه سيأتي أنّه يجب أن يكون السّعي عقب أحد طوافي الحجّ فلمّا سقط طواف القدوم تعيّن أن يكون عقب طواف الإفاضة‏.‏

فروع

89 م - الأوّل‏:‏ قال في التّوضيح‏:‏ ومتى يكون الحاجّ مراهقا إن قدم يوم عرفة أحببت تأخير طوافه، وإن قدم يوم التّروية أحببت تعجيله وله في التّأخير سعة وفي المختصر عن مالك، إن قدم يوم عرفة فليؤخّره إن شاء وإن شاء طاف وسعى، وإن قدم يوم التّروية ومعه أهل فليؤخّر إن شاء، وإن لم يكن معه أهل فليطف وليسع‏.‏ ومعنى ذلك أنّ الاشتغال يوم عرفة بالتّوجّه إلى عرفة أولى، وأمّا يوم التّروية فمن كان معه أهل كان في شغل ممّا لا بدّ للمسافر بالأهل منه‏.‏ انتهى‏.‏ وقال ابن فرحون‏:‏ لأنّه بأهله في شغل، وحال المنفرد أخفّ، وقال قبله‏:‏ والمراهق هو الّذي يضيق وقته عن إيقاعه طواف القدوم والسّعي وما لا بدّ له من أحواله ويخشى فوات الحجّ إن تشاغل بذلك فله تأخير الطّواف، ثمّ ذكر ما قاله أشهب ونقله عن مالك في المختصر انتهى من مناسكه‏.‏

الثّاني‏:‏ حكم من أحرم بالقرآن من الحلّ حكم من أحرم بالحجّ من الحلّ في وجوب طواف القدوم عليه وتعجيل السّعي بعده، فإن ترك ذلك وهو غير مراهق فعليه الدّم، وإن كان مراهقا فلا دم عليه قاله في المدوّنة‏.‏ الثّالث‏:‏ إذا أردف الحجّ على العمرة في الحلّ فحكمه حكم من أحرم بالقران من الحلّ في وجوب طواف القدوم والسّعي بعده إذا لم يكن مراهقا وهو ظاهر‏.‏ الرّابع‏:‏ إذا أحرم بالقرآن من مكّة أو بالعمرة من مكّة ثمّ أردف عليها حجّة وصار قارنا فإنّه يلزمه الخروج للحلّ على المشهور، فإذا دخل من الحلّ لا يطوف ولا يسعى لأنّه أحرم من مكّة‏.‏ قاله ابن رشد عن ابن القاسم ونقله ابن عرفة وقد تقدّم ذلك عند قوله ولها وللقران الحلّ‏.‏

الخامس‏:‏ من أحرم بالحجّ أو بالقران من الحلّ ومضى إلى عرفات ولم يدخل مكّة وليس بمراهق فإنّه بمنزلة من ترك طواف القدوم ويجب عليه الدّم‏.‏ قاله في المدوّنة وكلام المصنّف في مناسكه يوهم سقوط الدّم وليس كذلك‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ لا يسقط طواف القدوم عمّن تأخّر عنه إلى الوقوف، فإذا قدم مكّة يبدأ طواف القدوم قبل طواف الزّيارة‏.‏

د - قرّر المالكيّة أنّه يسقط طواف القدوم عن الحائض والنّفساء والمغمى عليه والنّاسي، إلاّ أن يزول المانع ويتّسع الزّمن لطواف القدوم فإنّه حينئذ يجب‏.‏

وقت طواف القدوم

90 - يبدأ وقت طواف القدوم حين دخول مكّة، ويستحبّ أن يبادر به قبل استئجار المنزل ونحو ذلك، لأنّه تحيّة البيت العتيق، وآخر وقته وقوفه بعرفة عند الجمهور، لأنّه بعد الوقوف مطالب بطواف الفرض، وهو طواف الزّيارة‏.‏

كيفيّة طواف القدوم

91 - كيفيّة طواف القدوم كطواف الزّيارة، إلاّ أنّه لا اضطباع فيه ولا رمل، ولا سعي لأجله، إلاّ إذا أراد تقديم سعي الحجّ إليه، فإنّه يسنّ له عندئذ الاضطباع والرّمل في الطّواف، لأنّ الرّمل والاضطباع سنّة في كلّ طواف بعده سعي‏.‏

ثانيا‏:‏ خطب الإمام

92 - وهي سنّة في ثلاثة مواضع عند الحنفيّة والمالكيّة، وأربعة عند الشّافعيّة والحنابلة، وتؤدّى الخطب كلّ واحدة خطبة واحدة بعد صلاة الظّهر، إلاّ خطبة يوم عرفة، فإنّها خطبتان بعد الزّوال قبل الصّلاة‏.‏ ويفتتح الخطبة بالتّلبية إن كان محرما، وبالتّكبير إن لم يكن محرما‏.‏

الخطبة الأولى

93 - تسنّ هذه الخطبة في مكّة يوم السّابع من ذي الحجّة قبل يوم التّروية بيوم، عند الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة، والغرض منها أن يعلّمهم المناسك‏.‏ عن ابن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ ‏{‏كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا كان قبل التّروية بيوم خطب النّاس فأخبرهم بمناسكهم‏}‏‏.‏

الخطبة الثّانية

94 - وتسنّ هذه الخطبة يوم عرفة بعرفات، قبل الصّلاة اتّفاقا، كما ثبت في حديث جابر وغيره‏.‏ وهذه الخطبة خطبتان يفصل بينهما بجلسة كما في خطبة الجمعة، يبيّن لهم في أولاهما ما أمامهم من المناسك ويحرّضهم على إكثار الدّعاء والابتهال، ويبيّن لهم ما يهمّهم من الأمور الضّروريّة لشؤون دينهم، واستقامة أحوالهم‏.‏ ‏(‏الخطبة الثّالثة‏)‏‏:‏

95 - الخطبة الثّالثة تكون بمنى في اليوم الحادي عشر من ذي الحجّة عند الحنفيّة والمالكيّة‏.‏ وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّها تكون بمنى يوم النّحر‏.‏ استدلّ الشّافعيّة بما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ‏{‏أنّه خطب يوم النّحر بمنى‏}‏‏.‏ وأجاب الحنفيّة بأنّ المقصود من الخطبة التّعليم وإجابة عن أسئلة وجّهت إليه صلى الله عليه وسلم ويوم النّحر يوم اشتغال بأعمال كثيرة وهي الرّمي والذّبح والحلق والطّواف‏.‏ ‏(‏الخطبة الرّابعة‏)‏‏:‏

96 - زاد الشّافعيّة والحنابلة خطبة رابعة‏:‏ هي بمنى ثاني أيّام التّشريق، يعلّمهم فيها جواز النّفر فيه وغير ذلك، ويودّعهم‏.‏

ثالثا‏:‏ المبيت بمنى ليلة يوم عرفة

97 - يسنّ للحاجّ أن يخرج من مكّة إلى منى يوم التّروية، بعد طلوع الشّمس، فيصلّي بمنى خمس صلوات هي‏:‏ الظّهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، وذلك سنّة باتّفاق الأئمّة‏.‏ وقد ثبت في حديث جابر‏:‏ ‏{‏فلمّا كان يوم التّروية توجّهوا إلى منى فأهلّوا بالحجّ، وركب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فصلّى بهم الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثمّ مكث قليلا حتّى طلعت الشّمس وأمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرة‏}‏‏.‏

رابعا‏:‏ السّير من منى إلى عرفة

98 - السّير من منى إلى عرفة صباحا بعد طلوع شمس يوم عرفة سنّة عند الجمهور وهو مندوب عند الحنابلة‏.‏ والأصل فيه فعله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر‏:‏ ‏{‏ثمّ مكث قليلا حتّى طلعت الشّمس وأمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرة فسار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏‏.‏‏.‏ فأجاز رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتّى أتى عرفة فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة‏.‏‏.‏‏}‏

خامسا‏:‏ المبيت بالمزدلفة ليلة النّحر

99 - يسنّ للحاجّ أن يبيت بالمزدلفة ليلة عيد النّحر، ويمكث بها حتّى يطلع الفجر، ثمّ يقف للدّعاء ويمكث فيها حتّى يسفر جدّا، ثمّ يدفع إلى منى فهذا سنّة عند الحنفيّة والشّافعيّة، مندوب عند المالكيّة، مستحبّ عند الحنابلة‏.‏ إنّما الواجب الوقوف الّذي سبق ذكره وذلك لفعله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قال جابر‏:‏ ‏{‏حتّى أتى المزدلفة، فصلّى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبّح بينهما شيئا، ثمّ اضطجع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتّى طلع الفجر وصلّى الفجر حين تبيّن له الصّبح بأذان وإقامة، ثمّ ركب القصواء حتّى أتى المشعر الحرام‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏

مستحبّات الحجّ

100 - مستحبّات الحجّ يحصل بها الأجر لكن دون أجر السّنّة، ولا يلزم تاركها الإساءة بخلاف السّنّة‏.‏ ومستحبّات الحجّ كثيرة نذكر طائفة هامة منها فيما يلي‏:‏

أوّلا‏:‏ العجّ‏:‏

101 - وهو رفع الصّوت بالتّلبية باعتدال، وهو مستحبّ للرّجال، عملا بحديث السّائل‏:‏ ‏{‏أيّ الحجّ أفضل ‏؟‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ العجّ، والثّجّ‏}‏‏.‏

ثانيا‏:‏ الثّجّ

102 - وهو ذبح الهدي تطوّعا، لما مرّ في الحديث، وقد أكثر النّبيّ صلى الله عليه وسلم من هدي التّطوّع جدّا، حتّى بلغ مجموع هديه في حجّته مائة من الإبل‏.‏ قال الإمام النّوويّ‏:‏ اتّفقوا على أنّه يستحبّ لمن قصد مكّة بحجّ أو عمرة أن يهدي هديا من الأنعام، ونحره هناك، ويفرّقه على المساكين الموجودين في الحرم ‏"‏

ثالثا‏:‏ الغسل لدخول مكّة للآفاقيّ

103 - وذلك عند ذي طوى، كما ورد في السّنّة، أو غيره من مداخل مكّة، وقد ثبت أنّه‏:‏ كان يغتسل لدخول مكّة»‏.‏

رابعا‏:‏ الغسل للوقوف بالمزدلفة بعد نصف اللّيل

104 - صرّح به الحنفيّة والشّافعيّة، حتّى جعل الشّافعيّة التّيمّم بديلا عنه عند العجز عن الماء قال النّوويّ‏:‏ يستحبّ أن يغتسل بالمزدلفة بعد نصف اللّيل، للوقوف بالمشعر الحرام، وللعيد، ولما فيها من الاجتماع، فإن عجز عن الماء تيمّم كما سبق»‏.‏

خامسا‏:‏ التّعجيل بطواف الإفاضة

105 - وذلك بأدائه يوم عيد النّحر، اتّباعا لفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ كما في حديث جابر

سادسا‏:‏ الإكثار من الدّعاء والتّلبية والأذكار المتكرّرة في الأحوال

106 - كالأدعية المأثورة في المناسك، ولا سيّما وقوف عرفة، وغير ذلك، فهذا به روح شعائر الحجّ‏.‏ كما جاء في الحديث‏:‏ ‏{‏إنّما جعل رمي الجمار والسّعي بين الصّفا والمروة لإقامة ذكر اللّه‏}‏‏.‏

سابعا‏:‏ التّحصيب

107 - وهو النّزول بوادي المحصّب، أو الأبطح في النّفر من منى إلى مكّة عند انتهاء المناسك، ويقع المحصّب عند مدخل مكّة بين الجبلين، إلى المقبرة المسمّاة بالحجون‏.‏ وقد اتّصل بناء مكّة به في زمننا بل تجاوزه لما وراءه‏.‏ والتّحصيب مستحبّ عند الجمهور، سنّة عند الحنفيّة، بأن ينزل الحاجّ فيه في نفره من منى ويصلّي فيه الظّهر والعصر والمغرب والعشاء‏.‏ استدلّ الجمهور بما أخرجه الشّيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ ‏{‏إنّما نزل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المحصّب ليكون أسمح لخروجه، وليس بسنّة فمن شاء نزله، ومن شاء لم ينزله‏}‏ واستدلّ الحنفيّة على السّنّيّة بحديث ‏{‏أسامة بن زيد قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه أين تنزل غدا في حجّته‏.‏ قال‏:‏ وهل ترك عقيل لنا من دار ثمّ قال‏:‏ نحن نازلون بخيف بني كنانة، حيث قاسمت قريش على الكفر‏}‏ وحيث أصبح المحصّب الآن ضمن البنيان فيمكث الحاجّ فيه ما تيسّر تحصيلا للسّنة قدر الإمكان في هذا الموضع الّذي يثير تلك الذّكرى من جهاد النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

ممنوعات الحجّ

108 - ممنوعات الحجّ أقسام‏:‏ مكروهات، ومحرّمات، ومفسدات‏.‏ أمّا المكروهات‏:‏ فهي ترك سنّة من سنن الحجّ، وهو مكروه تنزيها عند الحنفيّة‏.‏ ويلزم فيه الإساءة، ولا يجب فداء‏.‏ وأمّا المحرّمات‏:‏ فيدخل فيها ترك الواجبات، ويسمّيه الحنفيّة‏:‏ مكروها كراهة تحريم‏.‏ وحكمه إثم من ارتكبه بغير عذر ولزوم الفداء فيه اتّفاقا على التّفصيل الآتي‏:‏ أمّا المفسدات وسائر محرّمات الحجّ فإنّها متعلّقة بالإحرام لا تختصّ بالحجّ‏.‏ ‏(‏انظر في المصطلح‏:‏ إحرام ف 55 وما بعد و 171 - 173‏)‏‏.‏

مباحات الحجّ

109 - ليس للحجّ مباحات خاصّة به، سوى المباحات الّتي لا تخلّ بمحظورات الإحرام ‏(‏فانظر في المصطلح‏:‏ إحرام‏:‏ ف 99 - 107‏)‏‏.‏

أحكام خاصّة بالحجّ

110 - تتناول هذه الأحكام الموضوعات التّالية‏:‏ حجّ المرأة الحائض والنّفساء‏.‏ حجّ الصّبيّ‏.‏ حجّ المغمى عليه‏.‏ الحجّ عن الغير‏.‏ الأوّل - حجّ المرأة والحائض والنّفساء‏:‏

111 - تختصّ المرأة دون الرّجل بعدّة أحكام في الحجّ، بعضها يتعلّق بالإحرام، فينظر فيه، وبعضها يتعلّق بمناسك الحجّ، وسبقت في مواضعها‏.‏ ونبيّن هنا أحكاما أخرى هامة، هي أحكام حجّ الحائض والنّفساء، وله صور متعدّدة نبيّن حكمها فيما يلي‏:‏

أ - أن تحرم المرأة بالحجّ مفردة أو قارنة، ثمّ يمنعها الحيض أو النّفاس من أداء الطّواف، فإنّها تمكث حتّى تقف بعرفة وتأتي بكافّة أعمال الحجّ فيما عدا الطّواف والسّعي، فإذا طهرت تطوف طوافا واحدا وتسعى سعيا واحدا إن كانت مفردة‏.‏ وتطوف طوافين وتسعى سعيا للحجّ والعمرة إن كانت قارنة، حسبما يجب عند الحنفيّة، وطوافا وسعيا واحدا للقران عند غير الحنفيّة، ولا يسقط عنها طواف الوداع في هاتين الصّورتين اتّفاقا‏.‏ ويسقط عنها طواف القدوم، أمّا عند الجمهور فلأنّه سنّة فات وقتها، وأمّا عند المالكيّة فلكونه عذرا يسقط به، ولو كان واجبا، إلاّ أن يزول المانع ويتّسع الزّمن لطواف القدوم، فإنّه حينئذ يجب عليها‏.‏

ب - أن تحرم بالعمرة ثمّ تحيض أو تنفس قبل الوقوف بعرفة، ولا يتّسع الوقت كي تطهر وتعتمر قبل الإحرام بالحجّ‏:‏ قرّر الحنفيّة في هذه الصّورة‏:‏ أنّ المرأة تحرم بالحجّ أي تنويه وتلبّي، وتؤدّي أعمال الحجّ كما ذكرنا بالنّسبة للمفردة، وتصبح بهذا رافضة للعمرة، أي ملغية لها، وتحتسب لها حجّة فقط، فإذا أرادت العمرة تهلّ بها بعد الفراغ من أعمال الحجّ وليس لها إرداف الحجّ على العمرة عندهم‏.‏ أمّا غير الحنفيّة فقالوا‏:‏ لا تلغي العمرة، بل تحرم بالحجّ، وتصبح قارنة، فتحتسب لها العمرة، وقد كفى عنها طواف الحجّ وسعيه تبعا لمذهبهم في طواف القارن وسعيه أنّهما يجزئان عن الحجّ والعمرة ‏(‏انظر مصطلح قران‏)‏‏.‏ وعليها هدي القران عندهم، ولا يسقط عنها طواف الوداع اتّفاقا‏.‏

ج - لو حاضت في أيّام النّحر بعد أن مضت عليها فترة تصلح للطّواف فأخّرت طواف الإفاضة عن وقته بسبب الحيض وجب عليها دم بهذا التّأخير عند الحنفيّة‏.‏ أمّا إذا حاضت قبل يوم النّحر أو بعده بوقت يسير لا يكفي للإفاضة فتأخّر طوافها عن وقته بسبب ذلك فلا جزاء عليها ولا إثم‏.‏ ولا يتصوّر عند المالكيّة ذلك، لأنّ وقت طواف الإفاضة الواجب يمتدّ عندهم لآخر ذي الحجّة، ولا عند الشّافعيّة والحنابلة لأنّه لا وقت يلزم الجزاء بتأخيره عنه عندهم‏.‏

د - إن حاضت بعد الوقوف وطواف الزّيارة فإنّها تتمّ أعمال الحجّ، ثمّ تنصرف، ويسقط عنها طواف الوداع، إن فارقت مكّة قبل أن تطهر اتّفاقا بين العلماء، ولا يجب عليها الفداء بتركه‏.‏

حجّ الصّبيّ

112 - لا يجب الحجّ على الصّبيّ قبل البلوغ إجماعا، لكن إذا فعله صحّ منه، وكان نفلا، وعليه حجّة أخرى إذا بلغ إجماعا‏.‏ وتتفاوت كيفيّة إحرام الصّبيّ وأدائه المناسك بتفاوت سنّه هل هو مميّز أو لا‏.‏ وقد سبق بيان ذلك مفصّلا في مصطلح إحرام فانظره ‏(‏ف 131 - 136‏)‏ ويلحق بالصّبيّ غير المميّز المجنون جنونا مطبقا باتّفاقهم‏.‏

حجّ المغمى عليه والنّائم المريض

113 - إن أغمي عليه قبل الإحرام أحرم عنه رفقته عند أبي حنيفة، على ما سبق بيانه مع بيان كيفيّة الأعمال في مصطلح إحرام ‏(‏ف 138 - 142‏)‏، وإن أغمي عليه بعد الإحرام فهذا حمله متعيّن على رفقائه على التّفصيل التّالي‏:‏

1 - الوقوف بعرفة‏:‏ على التّفصيل السّابق بالنّسبة لركن الوقوف، ولا سيّما في مذهب المالكيّة، ومثله النّائم المريض الّذي لم يفق مدّة مكثه حتّى دفع مع النّاس‏.‏

2 - يحمل المغمى عليه رفاقه في الطّواف ويطوفون به، ويجزئ الطّواف الواحد عن الحامل والمحمول، إن نواه الحامل عن نفسه وعن المحمول، وإن كان بغير أمر المغمى عليه‏.‏ أمّا المريض النّائم فإن كان الطّواف بأمره وحملوه من فوره، أي من ساعته عرفا وعادة يجوز، إلاّ بأن طافوا به من غير أن يأمر بالطّواف به، أو فعلوه لكن لا من فوره فلا يجزيه الطّواف‏.‏ هذا كلّه عند الحنفيّة‏.‏ أمّا على مذهب غيرهم فينتظر به حتّى يفيق، ويستوفي شروط الطّواف، الّتي منها الطّهارتان ‏(‏انظر طواف‏)‏‏.‏

3 - ويمكن أن يسعى به باتّفاقهم، لعدم اشتراط النّيّة والطّهارتين في السّعي‏.‏

4 - ويحلق له رفاقه، لعدم اشتراط النّيّة فيه‏.‏

5- ويرمي عنه رفاقه، على التّفصيل فيه ‏(‏انظر مصطلح‏:‏ رمي‏)‏

6 - ويسقط عنه طواف الوداع إذا سافر به رفقته، ولم يتمكّن منه‏.‏

الحجّ عن الغير‏:‏ مشروعيّة الحجّ عن الغير

114 - ذهب الجمهور ‏(‏الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏)‏ إلى مشروعيّة الحجّ عن الغير وقابليّته للنّيابة، وذهب مالك على المعتمد في مذهبه إلى أنّ الحجّ لا يقبل النّيابة لا عن الحيّ ولا عن الميّت، معذورا أو غير معذور‏.‏ وقالوا‏:‏ إنّ الأفضل أن يتطوّع عنه وليّه بغير الحجّ، كأن يهدي أو يتصدّق عنه، أو يدعو له، أو يعتق‏.‏ استدلّ الجمهور على مشروعيّة حجّ الإنسان عن غيره بالسّنّة الثّابتة المشهورة، وبالعقل‏.‏ أمّا السّنّة‏:‏ فمنها حديث ابن عبّاس رضي الله عنه قال‏:‏ ‏{‏جاءت امرأة من خثعم عام حجّة الوداع، قالت‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ إنّ فريضة اللّه على عباده في الحجّ أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الرّاحلة، فهل يقضي عنه أن أحجّ عنه ‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏}‏‏.‏ وعن ابن عبّاس أيضا‏:‏ ‏{‏أنّ امرأة من جهينة جاءت إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ إنّ أمّي نذرت أن تحجّ فلم تحجّ حتّى ماتت أفأحجّ عنها ‏؟‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ نعم حجّي عنها، أرأيت لو كان على أمّك دين أكنت قاضيته ‏؟‏‏.‏‏.‏ اقضوا اللّه، فاللّه أحقّ بالوفاء‏}‏‏.‏ وأمّا العقل، فقال الكمال بن الهمام‏:‏ وكان مقتضى القياس أن لا تجري النّيابة في الحجّ، لتضمّنه المشقّتين البدنيّة والماليّة، والأولى لم تقم بالآمر، لكنّه تعالى رخّص في إسقاطه بتحمّل المشقّة الأخرى، أعني إخراج المال عند العجز المستمرّ إلى الموت، رحمة وفضلا، وذلك بأن يدفع نفقة الحجّ إلى من يحجّ عنه، بخلاف حال القدرة فإنّه لم يعذره لأنّ تركه ليس إلاّ لمجرّد إيثار راحة نفسه على أمر ربّه، وهو بهذا يستحقّ العقاب، لا التّخفيف في طريق الإسقاط، وإنّما شرط دوامه ‏(‏أي العذر‏)‏ إلى الموت لأنّ الحجّ فرض العمر‏.‏‏.‏‏.‏ ‏"‏ وقال ابن قدامة‏:‏ هذه عبادة تجب بإفسادها الكفّارة، فجاز أن يقوم غير فعله فيها مقام فعله، كالصّوم إذا عجز عنه افتدى بخلاف الصّلاة»‏.‏ وأخذ المالكيّة بالأصل، وهو عدم جريان النّيابة في العبادة البدنيّة، كالصّوم‏.‏

شروط الحجّ الفرض عن الغير

أوّلا - شروط وجوب الإحجاج

115 - يتضمّن ذلك شروط الأصيل المحجوج عنه لحجّة الفرض‏.‏ يشترط لوجوب الإحجاج عن المكلّف عند الجمهور - خلافا للمالكيّة -‏:‏ العجز عن أداء الحجّ الواجب عليه‏.‏ ويشمل ذلك ما يلي‏:‏

أ - كلّ من وجب عليه الحجّ وهو قادر على الحجّ بنفسه وحضره الموت يجب عليه الوصيّة بالإحجاج عنه عند الحنفيّة‏.‏ سواء حجّة الإسلام، أو النّذر، أو القضاء‏.‏ ولم يوقف الشّافعيّة وجوب الإحجاج عنه على الوصيّة إجراء للحجّ مجرى الدّيون‏.‏ أمّا المالكيّة‏:‏ فلا يوجبون عليه الوصيّة، ولا يسقط عنه الفرض بأداء الغير عنه - كما هو أصل مذهبهم الّذي عرفناه - لكن إذا أوصى نفذت وصيّته، وإن لم يوص لم يرسل من يحجّ عنه‏.‏

ب - من توفّرت فيه سائر شروط وجوب الحجّ واختلّ شيء من شروط الأداء بالنّفس، يجب عليه أن يحجّ عن نفسه، أو يوصي بالإحجاج عنه إذا لم يرسل من يحجّ عنه‏.‏

ج - من توفّرت فيه شروط وجوب الحجّ بنفسه فلم يحجّ حتّى عجز عن الأداء بنفسه يجب عليه أن يحجّ عنه في حال حياته، أو يوصي بالإحجاج عنه بعد موته‏.‏ ويتحقّق العجز بالموت، أو بالحبس، والمنع، والمرض الّذي لا يرجى زواله كالزّمانة والفالج، والعمى والعرج، والهرم الّذي لا يقدر صاحبه على الاستمساك، وعدم أمن الطّريق، وعدم المحرم بالنّسبة للمرأة، إذا استمرّت هذه الآفات إلى الموت‏.‏

ثانيا‏:‏ شروط النّائب عن غيره في الحجّ

116 - اشترط الشّافعيّة والحنابلة لإجزاء الحجّ الفرض عن الأصيل أن يكون النّائب قد حجّ حجّة الإسلام عن نفسه أوّلا، وإلاّ كانت الحجّة عن نفسه، ولم تجزئ عن الأصيل، وهو قول الأوزاعيّ وإسحاق بن راهويه‏.‏ واكتفى الحنفيّة بأهليّة المأمور لصحّة الحجّ، بأن يكون مسلما عاقلا، فأجازوا أن يكون المأمور لم يحجّ عن نفسه حجّة الإسلام ‏(‏وهو المسمّى صرورة‏)‏، وأجازوا حجّ العبد، والمراهق عن غيرهم، وتصحّ هذه الحجّة البدليّة وتبرأ ذمّة الأصيل، مع الكراهة التّنزيهيّة بالنّسبة للآمر، والكراهة التّحريميّة بالنّسبة للمأمور إن كان تحقّق وجوب الحجّ عليه‏.‏ ونحو ذلك عند المالكيّة في الحجّ عن الميّت يصحّ على القول بوجوب الحجّ على التّراخي عندهم، أمّا على وجوبه على الفور فيحرم الحجّ عنه‏.‏ استدلّ الأوّلون‏:‏ بما أخرج أبو داود وابن ماجه عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ‏{‏أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول‏:‏ لبّيك عن شبرمة‏.‏ قال‏:‏ من شبرمة ‏؟‏ قال‏:‏ أخ لي، أو قريب لي‏.‏ قال‏:‏ حججت عن نفسك ‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ حجّ عن نفسك، ثمّ حجّ عن شبرمة‏}‏‏.‏ واستدلّ الحنفيّة بإطلاق حديث الخثعميّة السّابق، فإنّه صلى الله عليه وسلم قال لها‏:‏ ‏{‏حجّي عن أبيك‏}‏ من غير استخبارها عن حجّها لنفسها قبل ذلك، وترك الاستفصال يتنزّل منزلة عموم المقال‏.‏

ثالثا‏:‏ شروط صحّة الحجّ الواجب عن الغير

117 - أ - يشترط أن يأمر الأصيل بالحجّ عنه، باتّفاق العلماء بالنّسبة للحيّ‏.‏ أمّا الميّت فلا يجوز حجّ الغير عنه بدون وصيّته عند الحنفيّة والمالكيّة‏.‏ واستثنى الحنفيّة، إذا حجّ أو أحجّ عن مورثه بغير إذنه فإنّه يجزيه، وتبرأ ذمّة الميّت إن شاء اللّه تعالى، مستدلّين بحديث الخثعميّة، فإنّه لم يفصّل في حقّ السّائل هل أوصى أو لم يوص، وهو وارث‏.‏ وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه‏:‏ من مات وعليه حجّ وجب الإحجاج عنه من جميع تركته، سواء أوصى به أم لا، كما تقضى منها ديونه سواء أوصى بها أم لا‏.‏ فلو لم يكن له تركة استحبّ لوارثه أن يحجّ عنه، فإن حجّ عنه بنفسه أو أرسل من حجّ عنه سقط الحجّ عن الميّت، ولو حجّ عنه أجنبيّ جاز، وإن لم يأذن له الوارث، كما يقضى دينه بغير إذن الوارث ‏"‏ ومأخذهم تشبيه النّبيّ صلى الله عليه وسلم الحجّ بالدّين، فأجروا على قضاء الحجّ أحكام الدّيون‏.‏ فإذا مات والحجّ في ذمّته يجب الإحجاج عنه من رأس المال ولو لم يوص، وهو مقدّم على وفاء الدّيون، عند الشّافعيّة‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ من ضاق ماله وكان عليه دين يحاصّ نفقة الحجّ من الدّين، ويؤخذ للحجّ حصّته فيحجّ بها من حيث تبلغ‏.‏

ب - أن تكون نفقة الحجّ من مال الآمر كلّها أو أكثرها عند الحنفيّة، سوى دم القران والتّمتّع، فهما على الحاجّ عندهم‏.‏ لكن إذا تبرّع الوارث بالحجّ عن مورثه تبرأ ذمّة الميّت إن لم يكن أوصى بالإحجاج عنه إن شاء اللّه‏.‏ أمّا الشّافعيّة والحنابلة فقد أجازوا أن يتبرّع بالحجّ عن غير الميّت مطلقا، كما يجوز أن يتبرّع بقضاء دينه‏.‏ وأمّا المالكيّة فالأمر عندهم في هاتين المسألتين تابع للوصيّة، ولتنفيذها بعقد الإجارة، أو لتبرّع النّائب، لا لإسقاط الفريضة عن الميّت‏.‏ وأمّا الحيّ المعضوب‏:‏ إذا بذل له المال أو الطّاعة فلا يلزمه قبول ذلك للإحجاج عن نفسه عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ لو بذل له ولده أو أجنبيّ مالا للأجرة لم يجب قبوله في الأصحّ‏.‏ ولو وجد مالا أقلّ من أجرة المثل ورضي به الأجير لزمه الاستئجار، لأنّه مستطيع، والمنّة فيه ليست كالمنّة في المال‏.‏ ولو لم يجد أجرة وبذل له ولده الطّاعة بأن يذهب هو بنفسه للحجّ عنه وجب عليه قبوله، وهو الإذن له في ذلك، لأنّ المنّة في ذلك ليست كالمنّة في المال‏.‏ لحصول الاستطاعة، وكذا الأجنبيّ في الأصحّ‏.‏ ويشترط للزوم قبول طاعتهم أربعة شروط‏:‏ أن يثق بالبازل، وأن لا يكون عليه حجّ ولو نذرا، وأن يكون ممّن يصحّ منهم حجّة الإسلام، وأن لا يكونا معضوبين‏.‏

ج - يشترط أن يحجّ عنه من وطنه إن اتّسع ثلث التّركة، وإن لم يتّسع يحجّ عنه من حيث يبلغ عند الحنفيّة والمالكيّة‏.‏ وعند الشّافعيّة والحنابلة يعتبر اتّساع جميع مال الميّت، لأنّه دين واجب، فكان من رأس المال كدين الآدميّ‏.‏ لكن عند الشّافعيّة يجب قضاؤه عنه من الميقات لأنّ الحجّ يجب من الميقات، وقال الحنابلة‏:‏ الحجّ على الميّت من بلده فوجب أن ينوب عنه منه»‏.‏

د - النّيّة‏:‏ أي نيّة الحاجّ المأمور أداء الحجّ عن الأصيل‏.‏ بأن ينوي بقلبه ويقول بلسانه ‏(‏والتّلفّظ أفضل‏)‏‏:‏ أحرمت بالحجّ عن فلان، ولبّيك بحجّة عن فلان‏.‏ وإن اكتفى بنيّة القلب كفى ذلك، اتّفاقا‏.‏ ولو نسي اسمه ونوى أن يكون الحجّ عن الشّخص المقصود أن يحجّ عنه يصحّ، ويقع الحجّ عن الأصيل‏.‏

هـ - أن يحجّ المأمور بنفسه‏:‏ نصّ عليه الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة‏.‏ فلو مرض المأمور أو حبس فدفع المال إلى غيره بغير إذن المحجوج عنه لا يقع الحجّ عن الميّت، والحاجّ الأوّل والثّاني ضامنان لنفقة الحجّ، إلاّ إذا قال الآمر بالحجّ‏:‏ اصنع ما شئت فله، حينئذ أن يدفع المال إلى غيره، ويقع الحجّ عن الآمر‏.‏

و - أن يحرم بالحجّ من ميقات الشّخص الّذي يحجّ عنه من غير مخالفة‏.‏ ولو أمره بالإفراد فقرن عن الآمر فيقع ذلك عن الآمر في مذهب الشّافعيّ والصّاحبين استحسانا، وأمّا عند أبي حنيفة فهو مخالف ضامن من النّفقات ولا يقع عن الآمر‏.‏ أمّا إذا أمره بالإفراد فتمتّع عن الآمر لم يقع حجّه عنه ولا يجوز ذلك عن حجّة الإسلام، ويضمن اتّفاقا عند أئمّة الحنفيّة، والشّافعيّة‏.‏ وسوّى المالكيّة بين القران والتّمتّع إذا فعلا وكان الإفراد يجزئ إن كان الشّرط من الوصيّ لا الأصيل‏.‏ وصحّح الحنابلة الحجّ عن الأصيل في كلّ الحالات ويرجع على الأجير بفرق أجرة المسافة، أو توفير الميقات‏.‏

حجّ النّفل عن الغير‏:‏ مشروعيّته

118 - اتّفق الجمهور على مشروعيّة حجّ النّفل عن الغير بإطلاق، وهو مذهب الحنفيّة وأحمد‏.‏ وأجازه المالكيّة أيضا مع الكراهة فيه وفي النّيابة في الحجّ المنذور‏.‏ أمّا الشّافعيّة ففصّلوا وقالوا‏:‏ لا تجوز الاستنابة في حجّ النّفل عن حيّ ليس بمعضوب، ولا عن ميّت لم يوص به‏.‏ أمّا الميّت الّذي أوصى به والحيّ المعضوب إذا استأجر من يحجّ عنه، ففيه قولان مشهوران للشّافعيّة‏:‏ أصحّهما الجواز، وأنّه يستحقّ الأجرة‏.‏ والقول الآخر عدم الجواز، لأنّه إنّما جاز الاستنابة في الفرض للضّرورة، ولا ضرورة، فلم تجز الاستنابة فيه، كالصّحيح، ويقع عن الأجير، ولا يستحقّ الأجرة‏.‏ ويدلّ للجمهور على صحّة حجّ النّفل عن الغير المستطيع بنفسه أنّها حجّة لا تلزمه بنفسه، فجاز أن يستنيب فيها كالمعضوب‏.‏ ولأنّه يتوسّع في النّفل ما لا يتوسّع في الفرض، فإذا جازت النّيابة في الفرض فلأن تجوز في النّفل أولى‏.‏

شروطه

119 - يشترط لصحّة حجّ النّفل عن الغير‏:‏ الإسلام، والعقل، والتّمييز، وقيّده الحنفيّة بالمراهق، وأن يكون النّائب قد حجّ الفرض عن نفسه، وليس عليه حجّ آخر واجب، وذلك عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏ كما يشترط نيّة الحاجّ النّائب الحجّة عن الأصيل‏.‏

الاستئجار على الحجّ‏:‏ مشروعيّته

120 - ذهب أبو حنيفة وإسحاق بن راهويه وهو الأشهر عن أحمد إلى أنّه لا يجوز الاستئجار على الحجّ‏.‏ وذهب الشّافعيّ إلى الجواز، وبه أخذ المالكيّة، مراعاة لخلاف الشّافعيّة في جواز النّيابة في حجّ النّفل‏.‏ فلو عقدت الإجارة للحجّ عن الغير فهي عند أبي حنيفة باطلة، لكنّ الحجّة عن الأصيل صحيحة، على التّحقيق في المذهب، ويسمّون الأجير‏:‏ مأمورا، ونائبا، وقالوا له نفقة المثل في مال الأصيل، لأنّه حبس نفسه لمنفعة الأصيل فوجبت نفقته في ماله‏.‏

الإخلال بأركان الحجّ

121 - لا يتمّ الحجّ إن أخلّ بركن من أركانه‏.‏ ثمّ إن ترك ركن من أركان الحجّ إمّا أن يكون بمانع قاهر أو بغير ذلك‏.‏ ترك ركن من الحجّ بمانع قاهر‏:‏

الإحصار‏:‏

122 - ترك ركن أو أكثر من أركان الحجّ بمانع قاهر سبق بحثه تفصيلا في مصطلح‏:‏ ‏(‏إحصار‏)‏‏.‏ ترك ركن من الحجّ لا بمانع قاهر‏:‏ أوّلا‏:‏ ترك الوقوف بعرفة‏:‏ ‏(‏الفوات‏)‏‏:‏

123 - أجمع العلماء على أنّ من فاته الوقوف بعرفة بأن ‏"‏ طلع عليه الفجر يوم النّحر ولم يقف بعرفة فقد فاته الحجّ‏.‏ ويسمّى ذلك ‏(‏الفوات‏)‏»‏.‏ ثمّ إن أراد التّحلّل من الإحرام فيتحلّل بأعمال العمرة‏.‏ على تفصيل ينظر في ‏(‏فوات‏)‏‏.‏

ثانيا‏:‏ ترك طواف الزّيارة‏:‏

124 - طواف الزّيارة ركن لا يسقط بتركه إذا فات وقته، ولا ينجبر بشيء، ويظلّ الحاجّ محرما بالنّسبة للتّحلّل الأكبر ‏(‏مصطلح إحرام ف 124‏)‏، حتّى يؤدّيه‏.‏ فإن ترك طواف الزّيارة أو ترك شيئا من شروطه، أو ركنا، ولو شوطا أو أقلّ من شوط يجب عليه أن يرجع إلى مكّة ويؤدّيه‏.‏ وإذا رجع فإنّه يرجع بإحرامه الأوّل، لا يحتاج إلى إحرام جديد، وهو محرم عن النّساء إلى أن يعود ويطوف، وهذا عند الجمهور، والحنفيّة معهم على وجه الإجمال‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ يجدّد إحرامه ليطوف في إحرام صحيح ‏"‏ أي إنّه يدخل مكّة بعمرة‏.‏ أمّا تفصيل مذهب الحنفيّة‏:‏ ففيه فروع‏.‏ اختصّوا بها بناء على مذهبهم في شروط الطّواف وركنه وواجباته ‏(‏انظر مصطلح طواف‏)‏‏.‏

ثالثا‏:‏ ترك السّعي‏:‏

125 - السّعي عند الجمهور ركن لا يحلّ الحاجّ من الإحرام بدونه، فمن تركه عاد لأدائه لزاما على التّفصيل السّابق في الرّجوع لطواف الزّيارة بالنّسبة للجمهور‏.‏ أمّا عند الحنفيّة وهو قول عند الحنابلة فإنّه يحلّ بدون سعي، لأنّ السّعي واجب عندهم، ينجبر بالدّم ‏(‏ف 56‏)‏، فإن أراد أداءه فإنّه يدخل مكّة بإحرام جديد معتمرا، ثمّ يأتي بالسّعي، وإن ترك ثلاثة أشواط فأقلّ صحّ سعيه عند الحنفيّة، وعليه لكلّ شوط صدقة نصف صاع من برّ أو صاع من تمر أو شعير‏.‏‏.‏ ‏(‏انظر مصطلح‏:‏ سعي‏)‏‏.‏

الإخلال بواجبات الحجّ

126 - يجب على من ترك واجبا من واجبات الحجّ الفداء، وهو ذبح شاة، باتّفاق الفقهاء، جبرا للنّقص الحادث بترك الواجب، إلاّ إذا تركه لعذر معتبر شرعا‏.‏ وما صرّحوا بالعذر فيه‏:‏ ترك المشي في الطّواف أو في السّعي، لمرض أو كبر سنّ، على القول بوجوب المشي فيهما، فإنّه يجوز للمعذور أن يطوف أو يسعى محمولا، ولا فداء عليه‏.‏ وثمّة مسائل تحتاج لإيضاح خاصّ لحكم تركها، وهي‏:‏

أوّلا‏:‏ ترك الوقوف بالمزدلفة

127 - اتّفقوا على أنّ من ترك الوقوف بالمزدلفة لعذر أنّه لا فداء عليه‏.‏ وصرّح الحنفيّة بثبوت العذر في ترك الوقوف بالمزدلفة، كالمرض، والضّعف الجسميّ كما في الشّيخ الفاني، وكذا خوف الزّحام على المرأة، وضعفة الأهل‏.‏ وصرّح الشّافعيّة بالعذر لمن انتهى إلى عرفات ليلة النّحر واشتغل بالوقوف عن المبيت بالمزدلفة فلا شيء عليه باتّفاق الأصحاب، ولو أفاض من عرفات إلى مكّة وطاف الإفاضة بعد نصف ليلة النّحر ففاته المبيت بالمزدلفة بسبب الطّواف فلا شيء عليه، لأنّه اشتغل بركن فأشبه المشتغل بالوقوف، أي‏:‏ إلاّ أن يمكنه العود إلى المزدلفة قبل الفجر فيلزمه العود إليها‏.‏ ومثل هذا من بادرت إلى الطّواف خوف طروء نحو حيض‏.‏ وجميع أعذار منى تأتي هنا‏.‏

ثانيا‏:‏ ترك المبيت بمنى ليالي التّشريق

128 - والجزاء فيه واجب عند الأئمّة الثّلاثة، لوجوب هذا المبيت عندهم ‏(‏ف 69‏)‏ قال المالكيّة‏:‏ إن ترك المبيت بها جلّ ليلة فدم، وكذا ليلة كاملة أو أكثر، وظاهره ولو كان التّرك لضرورة‏.‏‏.‏‏.‏ ‏"‏ ولم يسقطوا الدّم بترك المبيت إلاّ للرّعاء وأهل السّقاية ‏(‏انظر مبيت‏)‏‏.‏ وأوجب الشّافعيّة وكذا الحنابلة في ترك المبيت كلّه دما واحدا، وفي ترك ليلة مدّا من الطّعام، وفي ترك ليلتين مدّين، إذا بات ليلة واحدة، إلاّ إذا ترك المبيت لعذر فلا شيء عليه، كأهل سقاية العبّاس، ورعاء الإبل فلهم ترك المبيت ليالي منى من غير دم، ومثلهم من يخاف على نفس أو مال، أو ضياع مريض بلا متعهّد، أو موت نحو قريب في غيبته‏.‏

ثالثا‏:‏ ترك الرّمي

129 - مذهب الشّافعيّة والحنابلة أنّه يجب الدّم على من ترك الرّمي كلّه أو ترك رمي يوم أو يومين أو ترك ثلاث حصيات من رمي أيّ جمرة‏.‏ وعند الشّافعيّة في الحصاة يجب مدّ واحد، وفي الحصاتين ضعف ذلك‏.‏ وعند الحنابلة في الحصاة أو الحصاتين روايات‏.‏ قال في المغني‏:‏ الظّاهر عن أحمد أنّه لا شيء عليه في حصاة ولا حصاتين ‏"‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجب الدّم إن ترك الحاجّ رمي الجمار كلّها في الأيّام الأربعة، أو ترك رمي يوم كامل، ويلحق به ترك رمي أكثر حصيات يوم أيضا، لأنّ للأكثر حكم الكلّ، فيلزم فيه الدّم، أمّا إن ترك الأقلّ من حصيات يوم فعليه صدقة، لكلّ حصاة نصف صاع من برّ، أو صاع من تمر أو شعير‏.‏ ومذهب المالكيّة‏:‏ يلزمه دم في ترك حصاة أو في ترك الجميع‏.‏

ترك سنن الحجّ

130 - ترك سنّة من سنن الحجّ لا يوجب إثما ولا جزاء‏.‏ لكن يكون تاركها مسيئا على ما صرّح به الحنفيّة، ويحرم نفسه من الثّواب الّذي أعدّه اللّه تعالى لمن عمل بالسّنن أو المستحبّات والنّوافل‏.‏ ‏(‏انظر مصطلح‏:‏ سنّة‏)‏‏.‏

آداب الحاجّ

آداب الاستعداد للحجّ

131 - أ - يستحبّ أن يشاور من يثق بدينه وخبرته في تدبير أموره، ويتعلّم أحكام الحجّ وكيفيّته‏.‏ قال الإمام النّوويّ‏:‏ وهذا فرض عين، إذ لا تصحّ العبادة ممّن لا يعرفها، ويستحبّ أن يستصحب معه كتابا واضحا في المناسك جامعا لمقاصدها، وأن يديم مطالعته ويكرّرها في جميع طريقه لتصير محقّقة عنده‏.‏ ومن أخلّ بهذا خفنا عليه أن يرجع بغير حجّ، لإخلاله بشرط من شروطه أو ركن من أركانه، أو نحو ذلك، وربّما قلّد كثير من النّاس بعض عوامّ مكّة وتوهّم أنّهم يعرفون المناسك فاغترّ بهم، وذلك خطأ فاحش»‏.‏

ب - إذا عزم على الحجّ فيستحبّ له أن يستخير اللّه تعالى، لكن ليس للحجّ نفسه، فإنّه لا استخارة في فعل الطّاعات، لكن للأداء هذا العام إن كانت الحجّة نافلة، أو مع هذه القافلة، وترد الاستخارة على الحجّ الفرض هذا العام لكن على القول بتراخي وجوبه‏.‏

ج - إذا استقرّ عزمه على الحجّ بدأ بالتّوبة من جميع المعاصي والمكروهات، ويخرج من مظالم الخلق، ويقضي ما أمكنه من ديونه، ويردّ الودائع، ويستحلّ كلّ من بينه وبينه معاملة في شيء أو مصاحبة، ويكتب وصيّته، ويشهد عليها، ويوكّل من يقضي عنه ما لم يتمكّن من قضائه، ويترك لأهله ومن تلزمه نفقته نفقتهم إلى حين رجوعه‏.‏ ولا يتوهّم أحد الإفلات من حقوق النّاس بعباداته، ما لم يؤدّ الحقوق إلى أهلها، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏يغفر للشّهيد كلّ شيء إلاّ الدّين‏}‏‏.‏

د - أن يجتهد في إرضاء والديه، ومن يتوجّه عليه برّه وطاعته، وإن كانت زوجة استرضت زوجها وأقاربها، ويستحبّ للزّوج أن يحجّ بها، فإن منعه أحد والديه من حجّ الإسلام لم يلتفت إلى منعه، وإن منعه من حجّ التّطوّع لم يجز له الإحرام، فإن أحرم فللوالد تحليله على الأصحّ عند الشّافعيّة، خلافا للجمهور‏.‏

هـ - ليحرص أن تكون نفقته كثيرة وحلالا خالصة من الشّبهة، فإن خالف وحجّ بمال فيه شبهة أو بمال مغصوب صحّ حجّه في ظاهر الحكم، لكنّه عاص وليس حجّا مبرورا، وهذا مذهب الشّافعيّ ومالك، وأبي حنيفة رحمهم الله وجماهير العلماء من السّلف والخلف، وقال أحمد بن حنبل‏:‏ لا يجزيه الحجّ بمال حرام‏.‏ وفي رواية أخرى يصحّ مع الحرمة‏.‏ وفي الحديث الصّحيح‏:‏ أنّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏ذكر الرّجل يطيل السّفر، أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السّماء‏:‏ يا ربّ، يا ربّ ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذّي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك‏}‏‏.‏

و - الحرص على صحبة رفيق موافق صالح يعرف الحجّ، وإن أمكن أن يصحب أحد العلماء العاملين فليتمسّك به، فإنّه يعينه على مبارّ الحجّ ومكارم الأخلاق‏.‏

آداب السّفر للحجّ

132 - نشير إلى نبذ هامة منها فيما يلي‏:‏

أ - يستحبّ أن يودّع أهله وجيرانه وأصدقاءه، ويقول لمن يودّعه ما جاء في الحديث‏:‏ ‏{‏أستودعك اللّه الّذي لا تضيع ودائعه‏}‏ ويسنّ للمقيم أن يقول للمسافر‏:‏ ‏{‏أستودع اللّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك‏}‏ ب - أن يصلّي ركعتين قبل الخروج من منزله، يقرأ في الأولى سورة ‏{‏قل يا أيّها الكافرون‏}‏ وفي الثّانية ‏{‏قل هو اللّه أحد‏}‏ وصحّ أنّه صلى الله عليه وسلم ما خرج من بيته قطّ إلاّ رفع طرفه إلى السّماء فقال‏:‏ ‏{‏اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أضلّ أو أضلّ، أو أزلّ أو أزلّ، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل عليّ‏}‏‏.‏

ج - يستحبّ الإكثار من الدّعاء في جميع سفره، وعلى آداب السّفر وأحكامه والتّقيّد برخصه من غير تجاوز لها ‏(‏انظر مصطلح‏:‏ سفر‏)‏ آداب أداء مناسك الحجّ‏:‏

133 - أ - التّحلّي بمكارم الأخلاق، والتّذرّع بالصّبر الجميل، لما يعانيه الإنسان من مشقّات السّفر، والزّحام، والاحتكاك بالنّاس‏.‏

ب - استدامة حضور القلب والخشوع، والإكثار من الذّكر والدّعاء وتلاوة القرآن، وغير ذلك، والمحافظة على أذكار مناسك الحجّ‏.‏

ج - الحرص على أداء أحكام الحجّ كاملة وعدم تضييع شيء من السّنن، فضلا عن التّفريط بواجب، إلاّ في مواضع العذر الشّرعيّة الّتي بيّنت في مناسباتها‏.‏

آداب العود من الحجّ

134 - من آداب العود من الحجّ ما يلي‏:‏

أ - أن يراعي آداب السّفر وأحكامه العامّة للذّهاب والإياب، والخاصّة بالإياب، مثل إخبار أهله إذا دنا من بلده، وألاّ يطرقهم ليلا، وإن يبدأ بصلاة ركعتين في المسجد إذا وصل منزله، وأن يقول إذا دخل بيته‏:‏ توبا توبا، لربّنا أوبا، لا يغادر حوبا ‏"‏ ‏(‏انظر مصطلح‏:‏ سفر‏)‏‏.‏

ب - يستحبّ لمن يسلّم على الحاجّ أن يطلب من الحاجّ أن يستغفر له، كما يستحبّ أن يدعو للحاجّ أيضا ويقول‏:‏ ‏{‏قبل اللّه حجّك وغفر ذنبك، وأخلف نفقتك‏}‏‏.‏ ويدعو الحاجّ لزوّاره بالمغفرة، فإنّه مرجوّ الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏اللّهمّ اغفر للحاجّ ولمن‏.‏ استغفر له الحاجّ‏}‏‏.‏ ج - قال الإمام النّوويّ‏:‏ ينبغي أن يكون بعد رجوعه خيرا ممّا كان، فهذا من علامات قبول الحجّ، وأن يكون خيره آخذا في ازدياد‏.‏

حجّة

انظر‏:‏ إثبات‏.‏